المكتوبات

مكتوب الحِكَم البديعية: رسالة نَوى الحقائق.

[هذا المكتوب عبارةٌ عن شذَراتِ حكمةٍ وتأملاتٍ إيمانيةٍ في الآفاق والأنفس والمجتمع، موجزة العبارة، غزيرة الفائدة]

إنَّ القُدرةَ الأَزَليّةَ الَّتي لا تَتْرُكُ النَّملةَ مِن دُونِ أَمِيرٍ والنَّحلَ مِن دُونِ يَعسُوبٍ، لا تَتْرُكُ البَشَرَ مِن دُونِ نَبِي.
إنَّ القُدرةَ الأَزَليّةَ الَّتي لا تَتْرُكُ النَّملَ بغيرِ أَمِير، ولا النَّحلَ بغيرِ يَعسُوبٍ، لا تَتْرُكُ البَشَرَ مِن دُونِ نَبِي.
المحتويات عرض

نَوَى الحقائق‌

“الحكم البديعية”‌

﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾

الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، والصَّلَاةُ والسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وعَلَى آلِهِ وصَحبِهِ أجمَعِينَ.

[القرآن دواءٌ لهذا العصر]

١- عَصرٌ مَرِيضٌ، وعُنصُرٌ سَقِيمٌ، وعُضوٌ عَلِيلٌ، وَصْفَتُه الطِّـبِّـيّةُ هي اتِّباعُ القُرآنِ.

[الاتحاد الإسلامي دواء هذه الأمة]

٢- قارَّةٌ شاسِعةٌ عَظِيمةُ الجانِبِ، رَدِيئةُ الطَّالَعِ.. دَوْلةٌ مَشهُورةٌ عَرِيقةُ المَجدِ، سَيِّئةُ الحَظِّ.. أُمّةٌ عَزِيزةٌ جَلِيلةُ القَدْرِ، بلا رائِدٍ.. وَصْفَتُها الطِّـبِّـيّةُ: الِاتِّحادُ الإِسلامِيُّ.

[كل شيءٍ مربوطٌ بكلِّ الأشياء]

٣- إنَّ الَّذي لا يَملِكُ قَبضةً قَوِيّةً يَستَطِيعُ بها حَملَ الأَرضِ وجَمِيعِ النُّجُومِ والشُّمُوسِ وتَحرِيكَها كحَبَّاتِ السُّبْحةِ، لا يَستَطِيعُ ادِّعاءَ الخَلقِ والإِيجادِ، إذ كلُّ شَيءٍ مَربُوطٌ بكُلِّ الأَشياءِ.

[القدرة الإلهية ذاتيةٌ لا مراتب فيها]

٤- إنَّ إِحياءَ جَمِيعِ ذَوِي الأَرواحِ يَومَ الحَشرِ لا يَثقُلُ على القُدْرةِ الإِلٰهِيّةِ كما لا يَثقُلُ علَيْها إِحياءُ حَشَرةٍ وإِنشاؤُها بَعدَ سُباتٍ عَمِيقٍ طَوالَ الشِّتاءِ بما يُشبِهُ المَوتَ، لِأنَّ القُدرةَ الإلٰهِيّةَ ذاتيّةٌ، لا تَتَغيَّرُ قَطْعًا، ولا يُمكِنُ أن يَتَخلَّلَها العَجزُ، ولا تَتَداخَلَ فيها العَوائِقُ، فلَيسَ فيها مَراتِبُ مُطلَقًا، وكلُّ شَيءٍ بالنِّسبةِ إلَيْها سَواءٌ.

[الخالق واحد]

٥- إنَّ الَّذي خَلَق عَينَ البَعُوضةِ هو الَّذي خَلَق الشَّمسَ أَيضًا.

[والناظم واحد]

٦- والَّذي نَظَّمَ مَعِدةَ البُرغُوثِ هو الَّذي نَظَّم المَنظُومةَ الشَّمسِيّةَ أَيضًا.

[الكون مُعجِز]

٧- إنَّ في تَألِيفِ الكَونِ إِعجازًا باهِرًا، بحَيثُ لو فَرَضْنا -فَرْضًا مُحالًا- أنَّ كلَّ سَبَبٍ مِنَ الأَسبابِ الطَّبِيعِيّةِ فاعِلٌ مُختارٌ، مُقتَدِرٌ، لَسَجَدَت تلك الأَسبابُ جَمِيعُها -بكَمالِ العَجزِ- أَمامَ ذلك الإِعجازِ، قائِلةً: (سُبحانَك.. لا قُدرةَ لنا.. إنَّك أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ).

[مقتضى الوحدانية والجلال: ألا تستقل الأسباب بالتأثير]

٨- إنَّ الأَسبابَ لم تُمنَحِ التَّأثِيرَ الحَقِيقيَّ.. هكذا تَقتَضِي الوَحْدةُ والجَلالُ؛ إلّا أنَّ الأَسبابَ قد أَصبَحَت سِتارًا بَينَ يَدَيِ القُدرةِ في جِهةِ المُلكِ.. هكذا تَقتَضِي العِزّةُ والعَظَمةُ، وذلك لِئَلّا تُرَى في ظاهِرِ النَّظَرِ يَدُ القُدرةِ مُباشِرةً لِلأُمُورِ الخَسِيسةِ في جِهةِ المُلكِ.

[جهة الملكوت شفافة نزيهة]

٩- إنَّ جِهةَ المَلَكُوتِ الَّتي هي مَحَلُّ تَعَلُّقِ القُدرةِ في كلِّ شَيءٍ، شَفّافةٌ نَزِيهةٌ.

[عالم الشهادة ستار لعالم الغيب]

١٠- إنَّ عالَمَ الشَّهادةِ سِتارٌ مُزَركَشٌ مُلقًى على عَوالِمِ الغَيبِ.

[إيجاد أدنى الأشياء يحتاج إلى قدرة مطلقة]

١١- يَلزَمُ لِإِيجادِ نُقطةٍ في مَكانِها الصَّحِيحِ، قُدرةٌ مُطلَقةٌ تَستَطِيعُ إِيجادَ الكَونِ كُلِّه، ذلك لِأنَّ كلَّ حَرفٍ مِن حُرُوفِ كِتابِ الكَونِ الكَبِيرِ -لا سِيَّما ما كانَ ذا حَياةٍ- له وَجْهٌ ناظِرٌ إلى كلِّ جُملةٍ مِن جُمَلِ الكِتابِ، وله عَينٌ شاخِصةٌ إلَيْها.

[لا مقارنة بين الخالق والمخلوق]

١٢- لقدِ اشتَهَرَت حادِثةُ أنَّه بَينَما كانَ النَّاسُ يُراقِبُونَ هِلالَ العِيدِ، ولم يَرَه أَحَدٌ، إذا بشَيخٍ هَرِمٍ يَحلِفُ أنَّه قد رَأَى الهِلالَ، ثمَّ تَبيَّنَ أنَّ ما رَآه لم يكُن هِلالًا، بل شَعرةً بَيضاءَ مُقوَّسةً قد تَدَلَّت مِن حاجِبِه! فأَينَ تلك الشَّعرةُ مِنَ الهِلالِ؟ وأَينَ حَرَكاتُ الذَّرَّاتِ مِن فاعِلِ تَشكِيلِ الأَنواعِ؟

[حقيقة الطبيعة]

١٣- الطَّبِيعةُ مَطبَعةٌ مِثاليّةٌ ولَيسَت طابِعةً، نَقشٌ لا نَقَّاشٌ، قابِلةٌ لِلِانفِعالِ لا فاعِلةٌ، مِسطَرٌ لا مَصدَرٌ، نِظامٌ لا نَظَّامٌ، قانُونٌ لا قُدرةٌ، شَرِيعةٌ إِرادِيّةٌ لا حَقِيقةٌ خارِجِيّةٌ.

[أصل الانجذاب]

١٤- إنَّ الِانجِذابَ والجَذْبةَ المَغرُوزَينِ في الوِجدانِ -الَّذي هو فِطْرةٌ ذاتُ شُعُورٍ- ليس إلَّا مِن جَذْبةٍ حَقِيقيَّةٍ جَذَّابةٍ.

[الفطرة لا تَكذب]

١٥- إنَّ الفِطْرةَ لا تَكذِبُ، ففي البِذْرةِ مَيَلانٌ لِلنُّمُوِّ، إذا قالَت: سأُنبِتُ، سأُثمِرُ، فهو صادِقٌ؛ وفي البَيضةِ مَيَلانٌ لِلحَياةِ، إذا قالَت: سأَكُونُ فَرخًا، فيكُونُ بإِذنِ اللهِ، وهو صادق؛ وإذا قال مَيَلانُ التَّجَمُّدِ في غُرفةٍ مِن ماءٍ: سأَحتَلُّ مَكانًا أَوسَعَ، فلا يَستَطِيعُ الحَدِيدُ -رَغمَ صَلابَتِه- أن يُكَذِّبَه، بل إنَّ صِدقَ قَولِه يُفتِّتُ الحَدِيدَ، فهذه المُيُولُ إنَّما هي تَجَلِّياتُ الأَوامِرِ التَّكوِينِيّةِ الصَّادِرةِ عنِ الإِرادةِ الإِلٰهِيّة.

[النبوة في البشر ضرورية]

١٦- إنَّ القُدرةَ الأَزَليّةَ الَّتي لا تَتْرُكُ النَّملةَ مِن دُونِ أَمِيرٍ والنَّحلَ مِن دُونِ يَعسُوبٍ، لا تَتْرُكُ البَشَرَ مِن دُونِ نَبِيٍّ أَيضًا، وإنَّ انشِقاقَ القَمَرِ كما هو مُعجِزةٌ أَحمَدِيّةٌ لِلإِنسانِ في عالَمِ الشَّهادةِ، فالمِعراجُ أَيضًا مُعجِزةٌ أَحمَدِيّةٌ كُبْرَى لِلمَلائِكةِ والرُّوحانيّاتِ في عالَمِ المَلَكُوتِ.. وقد أُثبِتَت وِلايةُ نُبوَّتِه بهذه الكَرامةِ الباهِرةِ، فكانَت شَخصِيَّتُه المُشرِقةُ كالشُّعلةِ الوَضَّاءةِ كالبَرقِ والبَدرِ في عالَمِ المَلَكُوتِ.

[كلمتا الشهادة متلازمتان]

١٧- إنَّ كَلِمتَيِ الشَّهادةِ شاهِدَتانِ إِحداهُما على الأُخرَى، فالكَلِمةُ الأُولَى بُرهانٌ لِمِّيٌّ لِلثَّانيةِ، والثَّانيةُ بُرهانٌ إِنِّيٌّ لِلأُولَى.

[الحياة نوعٌ من تجلي الوحدة]

١٨- إنَّ الحَياةَ نَوعٌ مِن تَجَلِّي الوَحْدةِ في الكَثْرةِ، لِذا فهِي تَدفَعُ إلى الِاتِّحادِ، فالحَياةُ تَجعَلُ الشَّيءَ الواحِدَ مالِكًا لِكُلِّ شَيءٍ.

[حقيقة الروح]

١٩- إنَّ الرُّوحَ قانُونٌ ذُو وُجُودٍ خارِجِيٍّ، ونامُوسٌ ذُو شُعُورٍ، وهُو آتٍ مِن عالَمِ الأَمرِ وصِفةِ الإِرادةِ، كالقَوانِينِ الفِطْرِيّةِ الثَّابِتةِ الدَّائِمةِ؛ وقد كَسَتْه القُدرةُ الوُجُودَ الحِسِّيَّ، وجَعَلَتْ سَيَّالةً لَطِيفةً صَدَفَةً لِذلِك الجَوهَرِ.. إنَّ الرُّوحَ المَوجُودَ أَخٌ لِلقانُونِ المَعقُولِ، كِلاهُما دائِمِيٌّ وكِلاهُما آتٍ مِن عالَمِ الأَمرِ؛ ولو أَلبَسَتِ القُدرةُ الأَزَليّةُ قَوانِينَ الأَنواعِ وُجُودًا خارِجِيًّا لَأَصبَحَت رُوحًا، ولو طَرَحَ الرُّوحُ الشُّعُورَ، لَأَصبَحَ قانُونًا لا يَمُوتُ أَيضًا.

[الضياء والحياة كشَّافان]

٢٠- إنَّما تُشاهَدُ المَوجُوداتُ بالضِّياءِ، ويُعرَفُ وُجُودُ المَوجُوداتِ بالحَياةِ، فكُلٌّ مِنهُما كَشّافٌ.

[النصرانية ستسلم قيادها للإسلام]

٢١- إنَّ النَّصرانيّةَ سوف تُلقِي السِّلاحَ وتَستَسلِمُ لِلإِسلامِ سَواءٌ بالِانطِفاءِ أو بالِاصطِفاءِ، فلقد تَمَزَّقَتِ النَّصرانيّةُ عِدّةَ مَرّاتٍ حتَّى انتَهَت إلى البُرُوتستانتيّة، وتَمَزَّقَتِ البُرُوتستانتيّة فاقتَرَبَت مِنَ التَّوحِيدِ، وهِي تَتَهيَّأُ لِلتَّمَزُّقِ مَرّةً أُخرَى، فإمّا أن تَنطَفِئَ ويَنتَهِي أَمرُها، وإمّا أن تَجِدَ تِجاهَها الحَقائِقَ الإِسلامِيّةَ الجامِعةَ لِأُسُسِ النَّصرانيّةِ الحَقّةِ ومَبادِئِها، فتَستَسلِمَ.. وقد أَشارَ الرَّسُولُ ﷺ إلى هذا السِّرِّ العَظِيمِ بأنَّه: سيَنزِلُ عِيسَى عَليهِ السَّلام وسيَكُونُ مِن أُمَّتِي ويَعمَلُ بشَرِيعَتِي.

[قدسية المصدر أبلغ عند الناس من قوة البرهان]

٢٢- إنَّ الَّذي يَسُوقُ جُمهُورَ النَّاسِ إلى الِاتِّباعِ وامتِثالِ الأَوامِرِ هو ما يَتَحلَّى به المَصدَرُ مِن قُدسِيّةٍ، هذه القُدسِيّةُ هي الَّتي تَدفَعُ جُمهُورَ النَّاسِ إلى الِانقِيادِ أَكثَرَ مِن قُوّةِ البُرهانِ ومَتانةِ الحُجّةِ.

[المسائل الاجتهادية الخلافية لا تتعدى 10 بالمئة من مسائل الشريعة]

٢٣- إنَّ تِسعِينَ بالمِئةِ مِن مَسائِلِ الشَّرِيعةِ -الَّتي هي الضَّرُورِيّاتُ والمُسَلَّماتُ الدِّينيّةُ- كلٌّ مِنها عَمُودٌ مِنَ الأَلماسِ، أمَّا المَسائِلُ الِاجتِهادِيّةُ الخِلافيّةُ فهِي تُمَثِّـلُ عَشَرةً بالمِئةِ فقط؛ ولا يَنبَغِي أن يكُونَ تِسعُونَ عَمُودًا مِنَ الأَلماسِ تَحتَ حِمايةِ عَشَرةٍ مِنها مِن ذَهَبٍ، فالكُتُبُ الفِقهِيّةُ والِاجتِهاداتُ يَنبَغِي أن تكُونَ مَرايا ومَناظِيرَ لِرُؤيةِ القُرآنِ ولَيسَت حُجُبًا وظِلالًا وبَدِيلًا عنه.

[المجتهد لا يُشَرِّع]

٢٤- كلُّ مَن يَملِكُ استِعدادًا لِلِاجتِهادِ يَستَطِيعُ أن يَجتَهِدَ لِنَفسِه، إلَّا أنَّه لا يَستَطِيعُ أن يُشَرِّعَ.

[الإجماع يقي من البدع]

٢٥- إنَّ الدَّعوةَ إلى أيِّ فِكرٍ كانَ مَنُوطةٌ بقَبُولِ جُمهُورِ العُلَماءِ لها، وإلَّا فهِي بِدعةٌ مَردُودةٌ.

[قد يَضل الإنسان بغير اختياره]

٢٦- إنَّ الإِنسانَ لِكَونِه مُكَرَّمًا فِطْرةً يَبحَثُ عنِ الحَقِّ دَوْمًا، وأَثناءَ بَحثِه يَعثُرُ على الباطِلِ أَحيانًا فيُخفِيه في صَدْرِه ويَحفَظُه، وقد يَقَعُ الضَّلالُ -بلا اختِيارٍ مِنه- على رَأْسِه أَثناءَ تَنقِيبِه عنِ الحَقِيقةِ، فيَظُنُّه حَقًّا، فيَلبَسُه كالقَلَنسُوةِ.

[للقدرة مرايا كثيرة]

٢٧- إنَّ لِلقُدرةِ مَرايا كَثِيرةً جِدًّا، كلٌّ مِنها أَشَفُّ وأَلطَفُ مِنَ الأُخرَى، وهِي تَتَنوَّعُ، مِنَ الماءِ إلى الهَواءِ، ومِنه إلى الأَثِيرِ، ومِنه إلى عالَمِ المِثالِ، ومِنه إلى عالَمِ الأَرواحِ، بل إلى الزَّمانِ وإلى الفِكرِ.

ففي مِرآةِ الهَواءِ تُصبِحُ الكَلِمةُ الواحِدةُ مَلايِينَ الكَلِماتِ، فإنَّ قَلَمَ القُدرةِ يَستَنسِخُ سِرَّ هذا التَّناسُلِ بشَكلٍ عَجِيبٍ.. إنَّ الِانعِكاسَ إمَّا يَحوِي الهُوِيّةَ أو يَحوِي الهُوِيّةَ معَ الماهِيّة.. إنَّ تَماثِيلَ المادّةِ -أي: صُوَرَها- الكَثِيفةَ عِبارةٌ عن أَمواتٍ مُتَحرِّكةٍ، أمّا تَماثِيلُ الأَرواحِ النُّورانيّةِ في مَراياها فحَيّةٌ مُرتَبِطةٌ بِها، إنْ لم تكُن عَينَها فلَيسَت غَيرَها.

[حركة الشمس تحمي تابعيها]

٢٨- إذا انتَفَضَتِ الشَّمسُ بحَرَكَتِها المِحْوَرِيّةِ، فلا تَسقُطُ ثِمارُها، وإن لم تَنتَفِض فإنَّ ثِمارَها مِنَ السَّيّاراتِ تَسقُطُ وتَتَفرَّقُ.

[لا يستنير الفكر بغير القلب]

٢٩- إنَّ نُورَ الفِكرِ ظَلامٌ يُفَجِّرُ ظُلْمًا ما لم يَتَوهَّجْ بضِياءِ القَلبِ ويَمتَزِجْ به، فكما أنَّه إذا لم يَمتَزِج نَهارُ العَينِ الأَبيَضُ غَيرُ المُنَوَّرِ بلَيْلِها الأَسوَدِ1بمعنى أنَّ بياضَ العَينِ الشَّبِيهَ بالنَّهارِ إن لم يكُن معَ سَوادِ العَينِ الشَّبِيهِ باللَّيلِ فلا تُبصِرُ العَينُ. فلا تكُونُ بَصَرًا، كَذلِك لا بَصِيرةَ لِفِكرةٍ بَيضاءَ لا تُوجَدُ فيها سُوَيداءُ القَلبِ.

[العلم ما أذعن له القلب]

٣٠- إذا لم يَكُن في العِلمِ إِذعانُ القَلبِ فهُو جَهلٌ، لِأنَّ الِالتِزامَ شَيءٌ والِاعتِقادَ شَيءٌ آخَرُ.

[خطورة تزيين الباطل]

٣١- إنَّ تَصوِيرَ الأَباطِيلِ تَصوِيرًا جَيِّدًا إِضلالٌ لِلأَذهانِ الصَّافِيةِ.

[وظيفة العالِم المرشد]

٣٢- إنَّ العالِمَ المُرشِدَ يَنبَغِي أن يكُونَ كالشَّاةِ لا كالطَّيرِ، فالشَّاةُ تُطعِمُ بَهْمَتَها اللَّبَنَ، والطَّيرُ تُلقِمُ فِراخَها القَيْءَ.

[التخريب أسهل من التعمير]

٣٣- إنَّ وُجُودَ شيءٍ يَتَوقَّفُ على وُجُودِ جَمِيعِ أَجزائِه، بَينَما عَدَمُه يَتَوقَّفُ على عَدَمِ جُزءٍ مِنه؛ لِذا يَمِيلُ الشَّخصُ الضَّعِيفُ إلى التَّخرِيبِ لِإثباتِ قُدرَتِه، فيَرتَكِبُ أَعمالًا سَلبِيّةً تَخرِيبِيّةً بَدَلَ أَفعالٍ إِيجابيّةٍ تَعمِيرِيّةٍ.

[ضرورة المزج بين الحق والقوة]

٣٤- إذا لم تَمتَزِج دَساتِيرُ الحِكْمةِ معَ نَوامِيسِ الحُكُومةِ، ولم تَمتَزِج قَوانِينُ الحَقِّ معَ رَوابِطِ القُوّةِ، فلن تكُونَ مُثمِرةً بَينَ جُمهُورِ العَوامِّ.

[آفة التسميات المضللة]

٣٥- لقد وَضَع الظُّلمُ على رَأسِه قَلَنسُوةَ العَدالةِ، ولَبِسَتِ الخِيانةُ رِداءَ الحَمِيّةِ، وأُطلِقَ على الجِهادِ اسمُ البَغْيِ، وعلى الأَسْرِ اسمُ الحُرِّيّةِ.. وهكذا تَبادَلَتِ الأَضدادُ صُوَرَها.

[السياسة التي نستعيذ بالله منها]

٣٦- إنَّ السِّياسةَ الدّائِرةَ على المَنافِعِ وَحْشٌ رَهِيبٌ.

[الضعف يُغري القوي]

٣٧- إنَّ التَّوَدُّدَ إلى وَحْشٍ جائِعٍ لا يُثيرُ شَفَقَتَه، بل يُثيرُ شَهِيَّتَه، فَضْلًا عن أنَّه يُطالِبُ بأُجرةِ أَنيابِه وأَظفارِه.

[الجنة ليست رخيصة]

٣٨- لقد أَظهَرَ الزَّمانُ أنَّ الجَنّةَ لَيسَت رَخِيصةً، وأنَّ جَهَنَّمَ أَيضًا لَيسَت زائِدةً عنِ الحاجةِ.

[خطرٌ يهدِّد كل مجتمع]

٣٩- قد صارَت مَزِيَّةُ الخَواصِّ مِن أَهلِ الدُّنيا الَّتي تَستَدعِي التَّواضُعَ والتَّراحُمَ سَبَبًا لِلتَّكَبُّرِ والغُرُورِ، وصارَ عَجْزُ الفُقَراءِ وفَقْرُ العَوامِّ المُستَثِيرانِ لِلرَّحْمةِ والإِحسانِ سَبَبًا لِأَسارَتِهِم وسَفالَتِهِم.

[آفة اجتماعية: سرقة المحاسن والتبرّي من المساوئ]

٤٠- إنْ كانَ في شَيءٍ مَّا مَحاسِنُ وشَرَفٌ، فسَرْعانَ ما يُهدَى إلى الخَواصِّ ويُنسَبُ إلَيْهِم؛ أمَّا إنْ كانَ فيه سَيِّئاتٌ فيُلصِقُونَها بالعَوامِّ ويَنسُبُونَها إلَيْهِم.

[عندما تغيب الغاية العليا تَبرُز الأنا]

٤١- إذا لم يَكُن لِلمَرءِ غايةٌ وهَدَفٌ مِثالِيٌّ، أو نُسِيَت تلك الغايةُ أو تُنُوسِيَت، انصَرَفَتِ الأَذهانُ إلى “أنا” الأَفرادِ وحامَت حَوْلَها.

[منشأ مشاكل المجتمعات كلمتان]

٤٢- لو تَأَمَّلتَ في مَساوِئِ جَمعِيَّةِ البَشَرِ لَرَأَيتَ: أُسَّ أَساسِ جَمِيعِ اختِلالاتِها وفَسادِها، ومَنبَعَ كُلِّ الأَخلاقِ الرَّذِيلةِ في الهَيئةِ الِاجتِماعِيّةِ، كَلِمتَينِ فقط:

إِحداهُما: إن شَبِعتُ فلا عَلَيَّ أن يَمُوتَ غَيرِي مِنَ الجُوعِ.

والثَّانيةُ: اكتَسِبْ أَنتَ لِآكُلَ أنا، واتْعَبْ أَنتَ لِأَستَرِيحَ أنا.

والقاطِعُ لِعِرقِ الكَلِمةِ الأُولَى ليس إلّا “الزَّكاةَ“، والمُستَأصِلُ والدَّواءُ لِلكَلِمةِ الثَّانيةِ ليس إلَّا “حُرْمةَ الرِّبا“.

إنَّ عَدالةَ القُرآنِ تَقِفُ على بابِ العالَمِ، وتَصِيحُ في الرِّبا: مَمنُوعٌ، لا يَحِقُّ لك الدُّخُولُ! إنَّ البَشَرِيّةَ لَمّا لم تُصْغِ إلى هذا الكَلامِ تَلَقَّت صَفْعةً قَوِيّةً؛ وعلَيْها أن تُصغِيَ إلَيْها قَبلَ أن تَتَلقَّى صَفْعةً أَقوَى وأَمَرَّ.

[الإنسان لا يرضى أن يكون أسيرًا ولا أجيرًا]

٤٣- إنَّ حُرُوبَ الدُّوَلِ والشُّعُوبِ -بَعضِها بَعضًا- تَتَخلَّى عن ساحَتِها لِتَحُلَّ مَحَلَّها حُرُوبُ الطَّبَقاتِ البَشَرِيّةِ، لِأنَّ الإِنسانَ كما لا يَرضَى أن يكُونَ أَسِيرًا لا يَرضَى أن يكُونَ أَجِيرًا أَيضًا.

[الوسيلة غير المشروعة تعاقِب بخلاف المقصود]

٤٤- إنَّ الَّذي يَسلُكُ إلى مَقصِدٍ طَرِيقًا غَيرَ مَشرُوعٍ، كَثِيرًا ما يُعاقَبُ بخِلافِ مَقصُودِه، فإنَّ جَزاءَ مَحَبَّةٍ غَيرِ مَشرُوعةٍ -كمَحَبَّةِ أَورُوبَّا- هي عَداءٌ غادِرٌ مِنَ المَحبُوبِ.

[كيف ننظر إلى الماضي وإلى المستقبل؟]

٤٥- يَنبَغِي النَّظَرُ إلى الماضِي وإلى المَصائِبِ بنَظَرِ “القَدَرِ”، بَينَما النَّظَرُ إلى “المُستَقبَلِ” وإلى المَعاصِي يَلزَمُ أن يكُونَ مِن زاوِيةِ التَّكلِيفِ، فالجَبْرُ والِاعتِزالُ يَتَصالَحانِ هنا.

[لا تعجز.. ولا تجزع]

٤٦- يَنبَغِي عَدَمُ اللُّجُوءِ إلى العَجْزِ فيما يُمكِنُ حَلُّه، وعَدَمُ الِالتِجاءِ إلى الجَزَعِ فيما لا يُمكِنُ عِلاجُه.

[جراح الأمة غائرة]

٤٧- إنَّ جِراحَ الحَياةِ تَلتَئِمُ، بَيدَ أنَّ جِراحاتِ العِزَّةِ الإِسلامِيّةِ وشَرَفَ الأُمَّةِ وسِيادَتَها غائِرةٌ جِدًّا.

[عملٌ يسير وناتجٌ خطير]

٤٨- رُبَّ زَمانٍ تُسَبِّبُ فيه كَلِمةٌ واحِدةٌ هَلاكَ جَيشٍ كامِلٍ، وطَلْقةٍ واحِدةٍ إِبادةَ ثَلاثِينَ مِليُونَ نَسَمةٍ2لقد كانَت طَلْقةُ جُندِيٍّ أُطلِقَت على وليِّ عَهدِ النِّمسا سَبَبًا في إِشعالِ نارِ الحَربِ العالَمِيّةِ الأُولَى التي ذَهَب ضَحِيَّتَها ثَلاثُونَ مِليُونَ نَسَمةٍ..

ورُبَّ أَحوالٍ فيها حَرَكةٌ بَسِيطةٌ تَسمُو بالإِنسانِ إلى أَعلَى عِلِّيِّينَ، وفِعلٍ صَغِيرٍ يُردِيه في أَسفَلِ سافِلِينَ.

[الصدق قيمة مطلقة]

٤٩- إنَّ حَبّةً واحِدةً مِن صِدقٍ تُبِيدُ بَيْدَرًا مِنَ الأَكاذِيبِ، وإنَّ حَقِيقةً واحِدةً أَفضَلُ مِن بَيْدَرٍ مِنَ الخَيالاتِ.

علَيْك أنْ تَصدُقَ في كلِّ ما تَتَكلَّمُه، ولكِن ليس صَوابًا أنْ تَقُولَ كلَّ صِدقٍ؛ إذ (لا يَلزَمُ مِن لُزُومِ صِدقِ كلِّ قَولٍ، قَولُ كلِّ صِدقٍ).‌

[أحسِنْ رؤيتَك]

٥٠- مَنْ أَحسَنَ رُؤيَتَه حَسُنَتْ رَوِيَّتُه وجَمُلَ فِكرُه، ومَن جَمُلَ فِكرُه تَمَتَّعَ بالحَياةِ والْتَذَّ بها.

[الأمل حياة]

٥١- إنَّ الأَمَلَ يَبعَثُ الحَياةَ في النَّاسِ، واليَأسُ يَقتُلُهُم.

[بشرى للأمة بعد البؤس]

٥٢- هذه الدَّولةُ الإِسلامِيّةُ الَّتي أَخَذَت على عاتِقِها -مُنذُ السَّابِقِ- القِيامَ بفَرِيضةِ الجِهادِ -فَرْضًا كِفائِيًّا- إِعلاءً لِكَلِمةِ اللهِ وحِفاظًا على استِمرارِ حُرِّيّةِ العالَمِ الإِسلامِيِّ، وهُو كالجَسَدِ الواحِدِ، ووَضَعَت نَفسَها مَوضِعَ الفِداءِ لِلعالَمِ الإِسلامِيِّ؛ وحامِلةُ رايةِ الخِلافةِ ستُعَوِّضُ عَمَّا أَصابَها مِن مَصائِبَ، وتُزِيلُها السَّعادةُ الَّتي سوف يَرفُلُ بها عالَمُ الإِسلامِ.. إذ إنَّ هذه المُصِيبةَ قد عَجَّلَت بَعْثَ الأُخُوّةِ الإِسلامِيّةِ وظُهُورَها في أَرجاءِ العالَمِ الإِسلامِيِّ، تلك الأُخُوّةِ الَّتي هي جَوهَرُ حَياتِنا ورُوحُها.

[زمان انقلاب المفاهيم]

٥٣- إنَّ إِسنادَ مَحاسِنِ المَدَنيَّةِ إلى النَّصرانيَّةِ الَّتي لا فَضْلَ لها فيها، وإِظهارَ التَّدَنِّي والتَّقَهقُرِ قَرِينًا بالإِسلامِ الَّذي هو عَدُوٌّ له، دَلِيلٌ على دَوَرانِ المُقَدَّراتِ بخِلافِ دَوْرَتِها، وعلى قَلبِ الأَوْضاعِ.

[العبرة بالمَخبر لا بالمَظهر]

٥٤- إنَّ قِطْعةَ أَلماسٍ نادِرةً مَهْما كانَت صَدِئةً، أَفضَلُ مِن قِطعةِ زُجاجٍ لامِعةٍ دَوْمًا.

[العين لا ترى المعنويات]

٥٥- إنَّ الَّذِينَ يَبحَثُونَ عن كلِّ شَيءٍ في المادّةِ، عُقُولُهُم في عُيُونِهِم، والعَينُ لا تُبصِرُ المَعنَوِيّاتِ.

[إذا وقع المجاز في يد العوام]

٥٦- إذا وَقَع المَجازُ مِن يَدِ العِلمِ إلى يَدِ الجَهلِ، يَنقَلِبُ إلى حَقائِقَ مادِّيّةٍ، ويَفتَحُ البابَ إلى الخُرافاتِ.

[لا أحد أرحم من الله]

٥٧- إنَّ إِحسانًا يَزِيدُ على الإِحسانِ الإلٰهِيِّ، ليس بإِحسانٍ؛ إذ يَنبَغِي وَصفُ كلِّ شَيءٍ بما هو علَيْه مِن صِفاتٍ.

[آفة الشهرة]

٥٨- إنَّ الشُّهرةَ تُمَلِّكُ الإِنسانَ مَا لَيسَ له.

[الحاجة إلى الحديث النبوي]

٥٩- إنَّ الحَدِيثَ النَّبوِيَّ مَعدِنُ الحَياةِ ومُلهِمُ الحَقائِقِ.

[الدين هو الحياة]

٦٠- إنَّ إِحياءَ الدِّينِ إِحياءٌ لِلأُمّةِ، وحَياةُ الدِّينِ نُورُ الحَياةِ.

[الفرق بين حضارة القرآن ومدنية الغرب]

٦١- إنَّ القُرآنَ الكَرِيمَ الَّذي هو رَحْمةٌ لِلبَشَرِيّةِ كافّةً، إنَّما يَقبَلُ المَدَنيّةَ الَّتي تَكفُلُ سَعادةَ العُمُومِ أو في الأَقلِّ سَعادةَ الأَكثَرِيّةِ المُطلَقةِ، بَينَما المَدَنيّةُ الحاضِرةُ قد تَأسَّسَت على خَمسةِ أُسُسٍ سَلبِيّةٍ:

١- نُقطةُ استِنادِها ورَكِيزَتُها: القُوّةُ، وهذه مِن شَأنِها: التَّجاوُزُ والِاعتِداءُ.

٢- هَدَفُها وقَصْدُها: المَنفَعةُ، وهذه مِن شَأنِها: التَّزاحُمُ.

٣- دُستُورُها في الحَياةِ: الجِدالُ والصِّراعُ، وهذا مِن شَأنِه: التَّنازُعُ.

٤- رابِطَتُها بَينَ الكُتَلِ البَشَرِيّةِ هي العُنصُرِيّةُ والقَومِيّةُ السَّلبِيّةُ الَّتي تَنمُو وتَتَوسَّعُ بابتِلاعِ الآخَرِينَ، وشَأنُها التَّصادُمُ الرَّهِيبُ.

٥- خِدمَتُها الجَذَّابةُ لِلبَشَرِيّةِ: تَشجِيعُ الهَوَى والهَوْساتِ، وتَلبِيةُ رَغَباتِ النَّفسِ الأَمَّارةِ، ذلك الهَوَى الَّذي هو سَبَبٌ لِمَسخِ الإِنسانِ مَسْخًا مَعنَوِيًّا.

أمَّا المَدَنيّةُ الَّتي تَتَضمَّنُها الشَّرِيعةُ الأَحمَدِيَّةُ وتَأمُرُ بها:

فإنَّ نُقطةَ استِنادِها: الحَقُّ بَدَلًا مِنَ القُوَّةِ، والحَقُّ مِن شَأْنِه: العَدالةُ والتَّوازُنُ.

وهَدَفُها: الفَضِيلةُ بَدَلًا مِنَ المَنفَعةِ، والفَضِيلةُ مِن شَأْنِها: المَوَدَّةُ والتَّجاذُبُ.

جِهةُ الوَحْدةِ فيها: الرَّابِطةُ الدِّينِيَّةُ والوَطَنيَّةُ والصِّنفِيَّةُ بَدَلًا مِنَ العُنصُرِيَّةِ والقَومِيَّةِ، وهذه الرَّابِطةُ مِن شَأْنِها: الأُخُوَّةُ المُخلِصةُ والمُسالَمةُ الجادَّةُ والدِّفاعُ فقط عِندَ الِاعتِداءِ الخارِجِيِّ.

دُستُورُها في الحَياةِ: التَّعاوُنُ بَدَلًا مِنَ الجِدالِ والصِّراعِ، والتَّعاوُنُ مِن شَأْنِه: الِاتِّحادُ والتَّسانُدُ. وتَضَعُ الهُدَى بَدَلًا مِنَ الهَوَى، والهُدَى مِن شَأْنِه: رَفعُ الإِنسانِ رُوحِيًّا إلى مَراقِي الكَمالاتِ.

فلا تُرْخِ يَدَك عنِ الإِسلامِ الَّذي هو حامِي وُجُودِنا، واستَعْصِمْ به، وإلَّا هَلَكتَ.

[سبب المصائب العامة]

٦٢- إنَّ المَصائِبَ العامَّةَ إنَّما تَنزِلُ لِأَخطاءِ الأَكثَرِيَّةِ، فالمُصِيبةُ نَتِيجةُ جِنايةٍ ومُقدِّمةُ مُكافَأةٍ.

[حياة الشهداء]

٦٣- إنَّ الشَّهِيدَ يَعُدُّ نَفسَه حَيًّا، ولِكَونِه لم يَذُق سَكْرةَ المَوتِ، يَرَى الحَياةَ الَّتي ضَحَّى بها باقِيةً وغَيرَ مُنقَطِعةٍ، إلَّا أنَّها على أَفضَلِ وَجهٍ وأَنزَهِه.

[العدالة الحقيقية]

٦٤- العَدالةُ القُرآنيَّةُ المَحْضةُ، لا تُهدِرُ دَمَ بَرِيءٍ ولا تُزهِقُ حَياتَه، حتى لو كانَ في ذلك حَياةُ البَشَرِيَّةِ جَمْعاءَ؛ فكما أنَّ كِلَيْهِما في نَظَرِ القُدرةِ سَواءٌ، فهُما في نَظَرِ العَدالةِ سَواءٌ أَيضًا، ولكِنَّ الَّذي تَمَكَّن فيه الحِرصُ والأَنانيّةُ يُصبِحُ إِنسانًا يُرِيدُ القَضاءَ على كلِّ شَيءٍ يَقِفُ دُونَ تَحقِيقِ حِرصِه، حتَّى تَدمِيرَ العالَمِ والجِنسِ البَشَرِيِّ إنِ استَطاعِ.

[ثغرة التدخل الخارجي]

٦٥- إنَّ الخَوفَ والضَّعفَ يُشَجِّعانِ التَّأثِيراتِ الخارِجِيّةَ.

[ميزان المصلحة]

٦٦- لا يُضَحَّى بمَصلَحةٍ مُحَقَّقةٍ لِأَجلِ مَضَرّةٍ مَوهُومةٍ.

[آفة السياسة اليوم]

٦٧- إنَّ السِّياسةَ الحاليَّةَ لِإسطَنبُولَ مَرَضٌ شَبِيهٌ بمَرَضٍ (إِسبانِيٍّ)، يُسَبِّبُ الهَذَيانَ.

[قوة تأثير الكلمة]

٦٨- ليس نادِرًا أن يَتَحسَّنَ مَجنُونٌ إذا قِيلَ له: “أَنتَ سَلِيمٌ.. أَنتَ طَيِّبٌ”، وليس مِنَ المُستَبعَدِ أن يَفسُدَ عاقِلٌ إذا قِيلَ له: “أَنتَ فاسِدٌ.. أَنتَ طالِحٌ!”

[العدو والصديق]

٦٩- عَدُوُّ العَدُوِّ صَدِيقٌ ما دامَ عَدُوًّا له، وصَدِيقُ العَدُوِّ عَدُوٌّ ما دامَ صَدِيقًا له.

[ما العناد؟]

٧٠- أَمرُ العِنادِ هو: أنَّه إذا ما ساعَدَ شَيطانٌ امْرَأً قالَ عنه: “إنَّه مَلَكٌ”، وتَرَحَّمَ علَيْه؛ بَينَما إذا رَأَى مَلَكًا فيمَن يُخالِفُه في الرَّأيِ، قالَ: “إنَّه شَيطانٌ قد بَدَّل لِباسَه”، فيَلعَنُه.

[ليس كل دواءٍ دواءً بإطلاق]

٧١- قد يكُونُ دَواءُ مَرَضٍ سُمًّا لِداءٍ آخَرَ، وإذا جاوَزَ الدَّواءُ حَدَّه انقَلَب إلى ضِدِّه.

[معيار الجماعة الحقيقية]

٧٢- الجَمْعِيَّةُ الَّتي فيها التَّسانُدُ آلةٌ خُلِقَت لِتَحرِيكِ السَّكَناتِ، والجَماعةُ الَّتي فيها التَّحاسُدُ آلةٌ خُلِقَت لِتَسكِينِ الحَرَكاتِ.

[قانون رياضي في الجماعات]

٧٣- إذا لم يَكُن في الجَماعةِ الواحِدُ الصَّحِيحُ3مِنَ المَعلُوم في الحِسابِ: أنَّ الرَّقمَ يَزِيدُ بالضَّربِ أو بالجَمعِ، فمَثلًا ٤٭٤: ١٦، ولكِنَّ الرَّقْمَ يَصغُرُ بالضَّربِ والجَمعِ في الحِسابِ الكَسرِيِّ، فحاصِلُ ضَربِ الثُّلُثِ في الثُّلُث مثلًا هو التُّسُع، كَذلِك الأَمرُ في الجَماعاتِ البَشَرِيَّة: إن لم يكُن بَينَها وَحْدةٌ مَبنِيّةٌ على الصِّدقِ والِاستِقامةِ فإنَّها كلَّما زادَت صَغُرَت ودَبَّ فيها الفَسادُ والِانحِلالُ.، فالجَمعُ والضَّمُّ يُصَغِّرُ، كالضَّربِ الكَسرِيِّ في الحِسابِ.

[بين عدم القبول وقبول العدم]

٧٤- كَثِيرًا ما يَلتَبِسُ عَدَمُ القَبُولِ بقَبُولِ العَدَمِ، معَ أنَّ عَدَمَ القَبُولِ دَلِيلُه عَدَمُ ثُبُوتِ الدَّلِيلِ، أمَّا قَبُولُ العَدَمِ فيَحتاجُ إلى دَلِيلِ العَدَمِ، فأَحَدُهُما شَكٌّ والآخَرُ إِنكارٌ.

[دلائل الإيمان تتساند]

٧٥- إنَّ الشَّكَّ في المَسائِلِ الإِيمانيَّةِ، إذا أَسقَطَ دَلِيلًا واحِدًا بل حتَّى مِئةَ دَلِيلٍ، فلا يُورِثُ المَدلُولَ أيَّ ضَرَرٍ كانَ، لِأنَّ هُنالِك آلافَ الأَدِلَّةِ.

[السواد الأعظم حماية]

٧٦- يَجِبُ اتِّباعُ السَّوادِ الأَعظَمِ (مِنَ النَّاسِ)، إذ لَمَّا اعتَمَد الأُمَوِيُّونَ على الأَكثَرِيّةِ والسَّوادِ الأَعظَمِ، فإنَّهُم دَخَلُوا -معَ تَهاوُنِهِم- في نِهايةِ الأَمرِ في عِدادِ أَهلِ السُّنّةِ والجَماعةِ؛ بَينَما العَلَوِيّةُ فلِاعتِمادِها على قِلّةِ العَدَدِ انتَهَى الأَمرُ ببَعضٍ مِنهُم -معَ تَصَلُّبِها- إلى الدُّخُولِ في الرَّافِضِيّةِ.

[قد يكون اتفاق الكلمة أَولى]

٧٧- إن كان هُناك اتِّفاقٌ في الحَقِّ واختِلافٌ في الأَحَقِّ، يكُونُ الحَقُّ أَحيانًا أَحَقَّ مِنَ الأَحَقِّ، والحَسَنُ أَحسَنَ مِنَ الأَحسَنِ؛ ويَحِقُّ لِكُلِّ امرِئٍ أن يقُولَ في مَذهَبِه: “هو حَقٌّ، هو حَسَنٌ”، ولكِن لا يَحِقُّ له القَولُ: “هو الحَقُّ، هو الحَسَنُ.”

[لولا الجنة]

٧٨- لَوْلا الجَنَّةُ لَمَا عَذَّبَت جَهَنَّمُ.

[كلما شاب الزمان شَبَّ القرآن]

٧٩- كُلَّما شابَ الزَّمانُ شَبَّ القُرآنُ، وتَوَضَّحَت رُمُوزُه، وكما يَتَراءَى النُّورُ كالنّارِ، تَتَراءَى أَحيانًا شِدَّةُ البَلاغةِ مُبالَغةً.

[صفات الحق تعالى لا مراتب فيها]

٨٠- إنَّ مَراتِبَ الحَرارةِ عِبارةٌ عن تَداخُلِ البُرُودةِ، ودَرَجاتُ الحُسنِ عِبارةٌ عن تَداخُلِ القُبحِ؛ أمَّا القُدرةُ الأَزَليّةُ فهِي ذاتيَّةٌ ولازِمةٌ وضَرُورِيَّةٌ، لِذا لا يَتَخلَّلُها العَجزُ فلا مَراتِبَ فيها، كلُّ شَيءٍ بالنِّسبةِ إلَيْها سَواءٌ.

[التجلي يُعَرِّف]

٨١- إنَّ تِمثالَ الشَّمسِ (صُورَتَها) الَّذي هو تَجَلٍّ لِفَيضِها، يُبيِّنُ الهُوِيّةَ نَفسَها على سَطحِ البَحرِ، وفي قَطَراتِه.

[الحياة من تجلي الوحدة]

٨٢- إنَّ الحَياةَ مِن تَجَلِّي التَّوحِيدِ، ومُنتَهاها تُكسِبُ الوَحْدةَ.

[سرُّ الإبهام]

٨٣- ما دامَ الوَلِيُّ في النَّاسِ، وساعةُ الإِجابةِ في الجُمُعةِ، ولَيْلةُ القَدْرِ في رَمَضانَ، واسمُ اللهِ الأَعظَمُ في الأَسماءِ الحُسنَى، والأَجَلُ في العُمُرِ.. مَجهُولًا، ستَظَلُّ لِسائِرِ الأَفرادِ قِيمَتُها وأَهَمِّيَّتُها؛ فإنَّ عِشرِينَ سَنةً مِن عُمُرٍ مُبهَمٍ أَفضَلُ مِن أَلفِ سَنةٍ مِن عُمُرٍ مَعلُومِ النِّهايةِ.

[عاقبة المعصية دليلٌ على عقاب الآخرة]

٨٤- إنَّ عاقِبةَ المَعصِيةِ في الدُّنيا، دَلِيلٌ على العِقابِ الأُخرَوِيِّ.

[سر الرزق]

٨٥- إنَّ الرِّزقَ ذُو أَهَمِّيّةٍ في نَظَرِ القُدرةِ كأَهَمِّيّةِ الحَياةِ، فالقُدرةُ تُخرِجُ الرِّزقَ، والقَدَرُ يُلبِسُه -اللِّباسَ المُعيَّن- والعِنايةُ تُرَبِّيه وتَرْعاه؛ فالحَياةُ مُحَصِّلةٌ مَضبُوطةٌ -أي: مُشاهَدةٌ مُحَدَّدةٌ- أمَّا الرِّزقُ فهُو غَيرُ مُحَصَّلٍ -آنِيًّا- وتَدرِيجِيٌّ، ومُنتَشِرٌ، يَحمِلُ المَرءَ على التَّدبُّرِ.

لا مَوتَ مِنَ الجُوعِ، فالَّذِينَ يَمُوتُونَ جُوعًا يَمُوتُونَ قَبلَ استِهلاكِ الشَّحمِ وسائِرِ المَوادِّ المُدَّخَرةِ في الجِسمِ؛ إِذًا فسَبَبُ المَوتِ هو المَرَضُ النَّاشِئُ مِن تَركِ العادةِ، لا انعِدامُ الرِّزقِ.

[لكل موجودٍ وظيفته]

٨٦- إنَّ رِزقَ أكَلَةِ اللُّحُومِ الوَحشِيّةِ الحَلالَ هو جِيَفُ الحَيَواناتِ الَّتي لا حَدَّ لها، وهِي إذ تَتَناوَلُ رِزقَها تُنَظِّفُ وَجْهَ البَسِيطةِ أَيضًا.

[لا تكن خادمًا للذةٍ مؤقتة]

٨٧- لُقْمةٌ بفَلسٍ واحِدٍ وأُخرَى بعَشَرةِ فُلُوسٍ -مَثلًا- كِلتاهُما مُتَساوِيةٌ قَبلَ دُخُولِهِما الفَمَ، وبَعدَ مُرُورِهِما مِنَ الحُلقُومِ، معَ فارِقٍ واحِدٍ هو تَلَذُّذُ الفَمِ بها لِعِدَّةِ ثَوانٍ؛ لِذا فإنَّ صَرْفَ عَشَرةِ فُلُوسٍ بَدَلًا مِن فَلسٍ واحِدٍ إِرضاءً لِحاسَّةِ الذَّوقِ المُوَظَّفةِ بالتَّفتِيشِ والحِراسةِ أَسفَهُ أَنواعِ الإِسرافِ.

[لا تقع أسيرًا لنداء اللذة]

٨٨- كُلَّما نادَتِ اللَّذائِذُ يَنبَغِي الإِجابةُ بـ”كأنَّني أَكَلتُ”، فالَّذي جَعَل هذا دُستُورًا له كانَ بوُسْعه أنْ يَأكُلَ مَسجِدًا مُسَمًّى بـ”كأنَّني أَكَلتُ” فلم يَأكُل.

[لا مجال للترفُّه اليوم]

٨٩- لم يَكُن أَكثَرُ المُسلِمِينَ في السَّابِقِ جائِعِينَ، فكانَ التَّرَفُّهُ جائِزَ الِاختِيارِ، أمَّا الآنَ فهُم جائِعُونَ، فلا اختِيارَ في التَّلَذُّذِ.

[تبسَّم في وجه الألم]

٩٠- يَنبَغي التَّبسُّمُ في وَجهِ الأَلمِ المُؤَقَّتِ والتَّرحِيبُ به أَكثَرَ مِنَ التَّبَسُّمِ لِلَّذَّةِ المُؤَقَّتةِ، إذِ اللَّذَّاتُ الماضِيةُ تُنطِقُ المَرءَ بالحَسَراتِ، وما هي إلَّا تَرجُمانٌ لِأَلمٍ مُستَتِرٍ، بَينَما الآلامُ الماضِيةُ تُنطِقُ المَرءَ بـ:”الحَمدُ للهِ” الَّذي يُخبِرُ عن لَذَّةٍ ونِعمةٍ مُضمَرةٍ.

[النسيان نعمة]

٩١- إنَّ النِّسيانَ كَذلِك نِعمةٌ، لِأنَّه يُذِيقُ الآلامَ اليَومِيّةَ وَحْدَها، بَينَما يُنسِي المُتَراكِمةَ مِنها.

[في كل مصيبةٍ نعمةٌ]

٩٢- إنَّ لِكُلِّ مُصِيبةٍ دَرَجةَ نِعمةٍ كدَرَجاتِ الحَرارةِ -الَّتي تَتَداخَلُها البُرُودةُ- لِذا يَنبَغِي الشُّكرُ للهِ بالتَّفكِيرِ فيما هو أَعظَمُ، ورُؤيةُ النِّعمةِ في الأَصغَرِ؛ وإلَّا إذا نُفِخَ فيها واستُعظِمَتْ فإنَّها تَعظُمُ، وإذا أُقلِقَ مِن أَجلِها تَتَوءَمَت وانقَلَب مِثالُها الوَهمِيُّ في القَلبِ إلى حَقِيقةٍ تَسحَقُ القَلبَ.

[مقياس العظَمة في الإنسان]

٩٣- لِكُلِّ شَخصٍ نافِذةٌ يُطِلُّ مِنها على المُجتَمَعِ -لِلرُّؤيةِ والإِراءةِ- تُسَمَّى مَرتَبةً، فإذا كانَت تلك النَّافِذةُ أَرفَعَ مِن قامةِ قِيمَتِه يَتَطاوَلُ بالتَّكَبُّرِ، أمّا إذا كانَت أَخفَضَ مِن قامةِ قِيمَتِه، يَتَواضَعُ بالتَّحَدُّبِ ويَنخَفِضُ حتَّى يُشاهِدَ في ذلك المُستَوَى ويُشاهَدَ.. إنَّ مِقْياسَ العَظَمةِ في الإِنسانِ هو التَّواضُعُ، أمَّا مِقْياسُ الصِّغَرِ فيه فهُو التَّكَبُّـرُ والتَّعاظُمُ.

[الخُلُق الحسن يَحْسُن في موضعه]

٩٤- إنَّ عِزَّةَ النَّفسِ الَّتي يَشعُرُ بها الضَّعِيفُ تِجاهَ القَوِيِّ لو كانَت في القَوِيِّ لَكانَت تَكَبُّـرًا، وكذا التَّواضُعُ الَّذي يَشعُرُ به القَوِيُّ تِجاهَ الضَّعِيفِ، لو كان في الضَّعِيفِ لَكان تَذَلُّلًا.

إنَّ جِدِّيّةَ وَلِيِّ الأَمرِ في مَقامِه وَقارٌ، أمّا لِينُه فهُو ذِلَّةٌ؛ كما أنَّ جِدِّيَّتَه في بَيتِه دَلِيلٌ على الكِبْرِ، ولِينَه دَلِيلٌ على التَّواضُعِ. إن كانَ الفَردُ مُتَكلِّمًا عن نَفسِه فصَفْحُه وسَماحُه عنِ المُسِيئِينَ وتَضحِيَتُه بما يَملِكُ عَمَلٌ صالِحٌ، أمَّا إذا كان مُتَـكلِّمًا باسمِ الجَماعةِ فخِيانةٌ وعَمَلٌ غَيرُ صالِحٍ.

إنَّ المَرءَ يَستَطِيعُ أنْ يَكظِمَ الغَيظَ -لِما يَعُودُ لِنَفسِه- ولَيسَ له أن يَتَفاخَرَ بشَيءٍ يَخُصُّه، ولكِن يُمكِنُه أن يَفخَرَ باسمِ الأُمَّةِ مِن دُونِ أنْ يَكظِمَ غَيظًا بحَقِّها.

[الفرق بين التوكل والكسل]

٩٥- إنَّ تَفوِيضَ الأَمرِ إلى اللهِ في تَرتِيبِ المَقاماتِ كَسَلٌ، أمَّا في تَرَتُّبِ النَّتِيجةِ فهُو تَوَكُّلٌ؛ والرِّضَا بقِسمَتِه وثَمَرةِ سَعْيِه قَناعةٌ تُقَوِّي مِن مَيلِ السَّعيِ؛ أمَّا الِاكتِفاءُ بالمَوجُودِ فتَقاصُرٌ في الهِمّةِ.

[شريعةٌ تكوينية كالشريعة التكليفية]

٩٦- فكما أنَّ هُنالِك طاعةً وعِصيانًا تِجاهَ الأَوامِرِ الشَّرعِيَّةِ المَعرُوفةِ، كَذلِك هُنالِك طاعةٌ وعِصيانٌ تِجاهَ الأَوامِرِ التَّكوِينيّةِ.

وغالِبًا ما يَرَى الأَوَّلُ -مُطِيعُ الشَّرِيعةِ والعاصِي لها- جَزاءَه وثَوابَه في الدَّارِ الآخِرةِ، والثَّاني -مُطِيعُ السُّنَنِ الكَونِيَّةِ والعاصِي لها- غالِبًا ما يَنالُ عِقابَه وثَوابَه في الدَّارِ الدُّنيا.

فكَما أنَّ ثَوابَ الصَّبْرِ النَّصرُ، وجَزاءَ البَطالةِ والتَّقاعُسِ الذُّلُّ والتَّسَفُّلُ؛ كَذلِك ثَوابُ السَّعيِ الغِنَى وثَوابُ الثَّباتِ التَّغَلُّبُ.

إنَّ العَدالةَ الَّتي لا مُساواةَ فيها لَيسَت عَدالةً.

[متلازمات]

٩٧- إنَّ التَّماثُلَ مَدْعاةٌ لِلتَّضادِّ، والتَّناسُبَ أَساسٌ لِلتَّسانُدِ، وصِغَرَ النَّفسِ مَنبَعُ التَّكبُّرِ، والضَّعفَ مَعدِنُ الغُرُورِ، والعَجزَ مَنشَأُ المُخالَفةِ، والشَّغَفَ أُستاذُ العِلمِ.

[من عجائب تدبير القدرة الفاطرة]

٩٨- إنَّ القُدرةَ الفاطِرةَ قد أَلجَمَت جَمِيعَ الأَحياءِ وفي مُقَدِّمَتِها الإنسانُ بدافِعِ الحاجةِ، ولا سِيَّما حاجةِ الجُوعِ، وأَقحَمَتها في نِظامٍ، فأَنقَذَتِ العالَمَ مِنَ الهَرْجِ والمَرْجِ، وحَقَّقَتِ الرُّقيَّ لِلإِنسانِ بجَعلِ الحاجةِ أُستاذًا لِلحَضارةِ.

[حذارِ من هذه المساوئ]

٩٩- إنَّ الضِّيقَ مُعَلِّمٌ لِلسَّفاهةِ، واليَأْسَ مَنبَعُ ضَلالِ الفِكرِ، وظُلْمةَ القَلبِ مَنبَعُ ضِيقِ الرُّوحِ.

[إذا خالف الرجل قانون الفطرة]

١٠٠- إذا تَأنَّثَ الرِّجالُ بالتَّهَوُّسِ، تَرَجَّلَ النِّساءُ بالتَّوَقُّحِ.‌

كُلَّما دَخَلَتِ امْرَأةٌ حَسناءُ في مَجلِسٍ مِن مَجالِسِ الإِخوانِ تَنَبَّه عِرقُ الرِّياءِ والحَسَدِ والمُنافَسةِ، ففي تَكَشُّفِ النِّساءِ تَكَشُّفٌ عنِ الأَخلاقِ السَّيِّئةِ في الإِنسانِ المُتَحَضِّرِ.

[خطر الصورة المحرَّمة]

١٠١- إنَّ لِلصُّوَرِ المُتَبسِّمةِ -تلك الجَنائِزِ المُصَغَّرةِ- دَوْرًا مُهِمًّا في رُوحِ البَشَرِ الرَّعْناءِ المُلَوَّثةِ الآنَ بالسَّيِّئاتِ.

[حقيقة التماثيل]

١٠٢- إنَّ الهَياكِلَ المَمنُوعةَ شَرعًا، إمَّا أنَّها ظُلمٌ مُتَحَجِّرٌ، أو هَوًى مُتَجَسِّمٌ، أو رِياءٌ مُتَجَسِّدٌ.

[الاجتهاد حين يكون نافعًا وحين يكون خطرًا]

١٠٣- إنَّ مَيْلَ التَّوَسُّعِ والِاجتِهادِ هو مَيلٌ للتَّكَمُّلِ إن كانَ مِنَ الدَّاخِلِين بحَقٍّ في دائِرةِ الإسلامِ بامتِثالِ مُسَلَّماتِه جَمِيعًا، بَينَما يُصبِحُ هذا المَيلُ مَيلًا للتَّخرِيبِ إن كان مِمَّن يُهمِلُ الضَّرُورِيّاتِ، ويُعَدُّ خارِجًا عنِ الدَّائِرةِ لِعَدَمِ مُبالاتِه، فأَثناءَ العَواصِفِ المُدَمِّرةِ تَقتَضِي المَصلَحةُ سَدَّ نَوافِذِ الِاجتِهادِ فَضْلًا عن فَتْحِ أَبوابِه.

إنَّ الَّذِين لا يُبالُون بالدِّينِ لا يَنبَغِي أن يُلَطَّفُوا بالرُّخَصِ، بل يُنَبَّهُون بشِدَّةٍ، بالعَزائِمِ.

[الوضيعُ يُزري بكل ما يقع في يده]

١٠٤- يا لَلحَقائِقِ البائِسةِ! إنَّها تَفقِدُ قِيمَتَها في الأَيدِي الِاعتِيادِيّةِ الوَضِيعةِ.

[كرتنا الأرضية تشبه الحيوان]

١٠٥- إنَّ كُرَتَنا الأَرضِيّةَ تُشبِهُ الحَيَوانَ، تُبْرِزُ آثارَ الحَياةِ.. تُرَى لو صَغُرَت حتَّى تُصبِحَ في حَجمِ بَيضةٍ، ألا تُصبِحُ نَوْعًا مِن حَيَوانٍ؟ أو إذا كَبُرَت جُرثُومةٌ بقَدرِ كُرَتِنا أفلا تُشبِهُها؟ فإذا كانَت لها حَياةٌ، فلَها رُوحٌ أَيضًا، فإذا صَغُرَ العالَمُ صُغْرَ الإِنسانِ، وتَحَوَّلَت كَواكِبُه في حُكمِ الذَّرّاتِ أوِ الجَواهِرِ الفَرْداتِ.. أفَلا يُصبِحُ هو أَيضًا حَيَوانًا ذا شُعُورٍ؟ إنَّ للهِ سُبحانَه كَثِيرًا مِن أَمثالِ هذه الحَيَواناتِ.

[الشريعة شريعتان]

١٠٦- الشَّرِيعةُ اثنَتانِ:

إِحداها: هي الشَّرِيعةُ المَعرُوفةُ لنا، الَّتي تُنَظِّمُ أَفعالَ الإِنسانِ وأَحوالَه، ذلك العالَمِ الأَصغَرِ، والَّتي تَأتِي مِن صِفةِ الكَلامِ.

الثَّانية: هي الشَّرِيعةُ الكُبْرَى الفِطْرِيّةُ، الَّتي تُنَظِّمُ حَرَكاتِ العالَمِ وسَكَناتِه، ذلك الإِنسانِ الأَكبَرِ، والَّتي تَأتِي مِن صِفةِ الإِرادةِ؛ وقد يُطلَقُ علَيْها خَطَأً اسمُ الطَّبِيعةِ.

والمَلائِكةُ أُمّةٌ عَظِيمةٌ هم حَمَلةُ الأَوامِرِ التَّكوِينيّةِ ومُمَثِّلُوها ومُمتَثِلُوها، تلك الأَوامِرِ الآتِيةِ مِن صِفةِ الإِرادةِ، والَّتي تُسَمَّى بالشَّرِيعةِ الفِطْرِيّةِ.

[جميع الموجودات متناظرة]

١٠٧- إذا وازَنتَ بَينَ حَواسِّ حُوَينةٍ “مِجهَرِيّةِ” وحَواسِّ الإِنسانِ، تَرَى سِرًّا عَجِيبًا: أنَّ الإِنسانَ كصُورةٍ “يٓسٓ”، كُتِبَ فيها سُورةُ “يٓسٓ”‌.

[الفلسفة المادية طاعون معنوي]

١٠٨- إنَّ الفَلسَفةَ المادِّيّةَ طاعُونٌ مَعنَوِيٌّ، حَيثُ سَبَّب في سَرَيانِ حُمَّى مُدهِشةٍ في البَشَرِيّةِ وعَرَّضَها لِلغَضَبِ الإلٰهِيِّ، وكُلَّما تَوَسَّعَت قابِلِيّةُ التَّلقِينِ والنَّقدِ تَوَسَّعَ ذلك الطّاعُونُ أَيضًا.

[العطالة شقاء]

١٠٩- إنَّ أَشَدَّ النَّاسِ شَقاءً واضطِرابًا وضِيقًا هو العاطِلُ عنِ العَمَلِ، لِأنَّ العُطْلَ هو ابنُ أَخِ العَدَمِ؛ أمَّا السَّعيُ فهُو حَياةُ الوُجُودِ ويَقَظةُ الحَياةِ.

[البنوك ضررٌ محضٌ على العالم الإسلامي]

١١٠- إنَّ البُنُوكَ الَّتي هي وَسائِطُ الرِّبا وأَبوابُها، إنَّما تَعُودُ بالنَّفعِ على الكُفَّارِ -الَّذِينَ هم أَسوَأُ البَشَرِ- وعلى أَظلَمِهِم، وعلى أَسفَهِ هَؤُلاءِ.. إنَّ ضَرَرَها على العالَمِ الإِسلامِيِّ ضَرَرٌ مَحضٌ، ولا يُؤخَذُ رَفاهُ البَشَرِيَّةِ مُطلَقًا بنَظَرِ الِاعتِبارِ، ولِأنَّ الكافِرَ إن كانَ حَرِبِيًّا ومُتَجاوِزًا فلا حُرْمةَ له ولا عِصْمةَ.

[الغرض من خطبة الجمعة]

١١١- إنَّ الهَدَفَ مِن خُطبةِ الجُمُعةِ تَذكِيرٌ بالضَّرُورِيّاتِ الدِّينيَّةِ ومُسَلَّماتِها لا تَعلِيمُ النَّظَرِيَّاتِ، والعِبارةُ العَرَبيَّةُ تَذْكُرُها على أَفضَلِ وَجهٍ وأَسمَاه.

وإذا قُورِنَ بَينَ الآيةِ والحَدِيثِ، يَتَّضِحُ أنَّه حتَّى أَبلَغُ البَشَرِ لا يَستَطِيعُ أن يَبلُغَ بَلاغةَ الآيةِ، وأنَّ هذا لا يُشبِهُ تلك.

  سَعِيدٌ النُّورْسِيُّ‌

    

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى