الكلمات

الكلمة الثامنة والعشرون: رسالة الجنة.

[هذه الكلمة تتحدث عن الجنة ونعيمها ولطائفها، وتجيب عن الأسئلة المتعلقة بها، مع ملحق قصير حول جهنم]

تأليف: بديع الزمان سعيد النورسي

ترجمة: إحسان قاسم الصالحي

آيات القرآن التي تتحدث عن الجنة هي أجمل من الجنة نفسها.
آيات القرآن التي تتحدث عن الجنة هي أجمل من الجنة نفسها.

 

الكلمة الثامنة والعشرون‌

 

هذه الكَلِمةُ تَخُصُّ الجَنَّةَ، وهي عِبارةٌ عن مَقامَينِ:

المَقامُ الأوَّلُ يُشِيرُ إلى عددٍ مِن لَطائفِ الجَنّةِ.

والمَقامُ الثّاني قد جاء باللُّغةِ العَرَبيّة، وهو خُلاصةُ الكَلِمةِ العاشِرةِ وأَساسُها، أُثبِتَ فيه وُجُودُ الجَنّةِ باثنتَي عَشْرةَ حَقيقةً قاطِعةً مُتَسَلسِلةً إثباتًا ساطِعًا، لِذا لا نَبحَثُ هنا عن إثباتِ وُجُودِ الجَنّةِ، وإنَّما نَقصُرُ الكَلامَ على أَسئِلةٍ وأَجوِبةٍ حَولَ بعضِ أَحوالِ الجَنّةِ الَّتي تَتَعرَّضُ إلى النَّقْدِ، وسوف تُكتَبُ إن شاء اللهُ كَلِمةٌ جَليلةٌ حَولَ تلك الحَقيقةِ العُظمَى.‌

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم

﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾

هذه أَجوِبةٌ قَصِيرةٌ عن عَدَدٍ مِن أَسئِلةٍ تَدُورُ حَولَ الجَنّةِ الخالِدةِ‌

إنَّ آياتِ القُرآنِ الكَرِيمِ الَّتي تَخُصُّ الجَنّةَ، هي أَجمَلُ مِنَ الجَنّةِ، وأَلطَفُ مِن حُورِها، وأَحلَى مِن سَلسَبِيلِها.. هذه الآياتُ البَيِّناتُ لم تَدَعْ مَزِيدًا لِكَلامٍ، لِذا نَضَعُ دَرَجاتِ سُلَّمٍ، تَقرِيبًا لِتلك الآياتِ السّاطِعةِ الأَزَليّةِ الرَّفيعةِ الجَمِيلةِ للفَهمِ، فنَذكُرُ باقةً مِن مَسائِلَ لَطِيفةٍ هي نَماذِجُ أَزاهِيرَ مِن جَنّةِ القُرآنِ، ونُشِيرُ إلَيها في خَمسةِ رُمُوزٍ ضِمنَ أَسئِلةٍ وأَجوِبةٍ.

نعم، إنَّ الجَنّةَ شامِلةٌ جَمِيعَ اللَّذائِذِ المَعنَوِيّةِ، كما هي شامِلةٌ جَمِيعَ اللَّذائِذِ “المادِّيّةِ” الجِسمانيّةِ أيضًا.

[ما علاقة الجسمانية المادية بعُلوية الجنة وأبديتها]

سُؤالٌ: ما عَلاقةُ الجِسمانيّةِ “المادِّيّةِ” القاصِرةِ النّاقِصةِ المُتَغيِّرةِ القَلِقةِ المُؤلِمةِ، بالأَبَدِيّةِ والجَنّةِ؟ فما دامَتِ الرُّوحُ تَكتَفِي بلَذائذِها العُلْوِيّةِ في الجَنّةِ، فلِمَ يَلْزَمُ حَشْرٌ جِسمانِيٌّ للتَّلَذُّذِ بلَذائِذَ جِسمانيّةٍ؟

الجَوابُ: على الرَّغمِ مِن كَثافةِ التُّرابِ وظُلْمَتِه، نِسبةً إلى الماءِ والهَواءِ والضِّياءِ، فهو مَنشَأٌ لِجَميعِ أَنواعِ المَصنُوعاتِ الإلٰهِيّةِ؛ لِذا يَسمُو ويَرتَفِعُ مَعنًى فَوقَ سائِرِ العَناصِرِ.. وكذا النَّفسُ الإنسانيّةُ، على الرَّغمِ مِن كَثافَتِها فإنَّها تَرتَفِعُ وتَسمُو على جَمِيعِ اللَّطائِفِ الإنسانيّةِ بجامِعِيَّتِها، بشَرطِ تَزكِيَتِها.

فالجِسمانيّةُ كذلك هي أَجمَعُ مِرآةٍ لِتَجَلِّياتِ الأَسماءِ الإلٰهِيّةِ، وأَكثَرُها إحاطةً وأَغناها؛ فالآلاتُ الَّتي لها القُدرةُ على وَزنِ جَمِيعِ مُدَّخَراتِ خَزائِنِ الرَّحمةِ الإلٰهِيّةِ وتَقدِيرِها، إنَّما هي في الجِسمانيّةِ، إذ لو لم تَكُن حاسَّةُ الذَّوقِ الَّتي في اللِّسانِ مَثَلًا حاوِيةً على آلاتٍ لِتَذَوُّقِ الرِّزقِ بعَدَدِ أَنواعِ المَطعُوماتِ كُلِّها، لَمَا كانَت تُحِسُّ بكُلٍّ مِنها، وتَتَعرَّفُ على الِاختِلافِ فيما بَينَها، ولَمَا كانَت تَستَطِيعُ أن تُحِسَّ وتُمَيِّـزَ بَعضَها عن بَعضٍ.

وكذا، فإنَّ أَجهِزةَ مَعرِفةِ أَغلَبِ الأَسماءِ الإلٰهِيّةِ المُتَجلِّيةِ والشُّعُورِ بها وتَذَوُّقِها وإدراكِها، إنَّما هي في الجِسمانيّةِ؛ وكذا فإنَّ الِاستِعداداتِ والقابِلِيّاتِ القادِرةَ على الشُّعُورِ والإحساسِ بلَذائِذَ لا مُنتَهَى لها، وبأَنواعٍ لا حُدُودَ لها، إنَّما هي في الجِسمانيّةِ.

يُفهَمُ مِن هذا فَهْمًا قاطِعًا -كما أَثبَتْناه في الكَلِمةِ الحادِيةَ عَشْرةَ- أنَّ صانِعَ هذه الكائِناتِ، قد أَرادَ أن يُعرِّفَ بهذه الكائِناتِ جَمِيعَ خَزائِنِ رَحمَتِه، ويُعلِّمَ بها جَمِيعَ تَجَلِّياتِ أَسمائِه الحُسنَى، ويُذِيقَ بها جَمِيعَ أَنواعِ نِعَمِه وآلائِه، وذلك مِن خِلالِ مَجرَى حَوادِثِ هذه الكائِناتِ وأَنماطِ التَّصَرُّفِ فيها، ومِن خِلالِ جامِعِيّةِ استِعداداتِ الإنسانِ.. فلا بُدَّ إذًا مِن حَوضٍ عَظِيمٍ يُصَبُّ فيه سَيلُ الكائِناتِ العَظِيمُ هذا.. ولا بُدَّ مِن مَعرِضٍ عَظِيمٍ يُعرَضُ فيه ما صُنِعَ في مَصنَعِ الكائِناتِ هذا.. ولا بُدَّ مِن مَخزَنٍ أَبَدِيٍّ تُخزَنُ فيه مَحاصِيلُ مَزرَعةِ الدُّنيا هذه.. أي: لا بُدَّ مِن دارِ سَعادةٍ تُشبِهُ هذه الكائِناتِ إلى حَدٍّ مّا، وتُحافِظُ على جَمِيعِ أُسُسِها الجِسمانيّةِ والرُّوحانيّةِ.. ولا بُدَّ أنَّ ذلك الصّانِعَ الحَكِيمَ والعادِلَ الرَّحِيمَ، قد خَصَّ لَذائِذَ تَلِيقُ بتلك الآلاتِ الجِسمانيّةِ أُجرةً لِوَظائِفِها، ومَثُوبةً لِخِدْماتِها، وأَجْرًا لِعِباداتِها الخاصّةِ؛ وإلّا (أي: بخِلافِ هذا) تَحصُلُ حالةٌ مُنافيةٌ تمامًا لِحِكمَتِه سُبحانَه وعَدالَتِه ورَحمَتِه، مِمّا لا يَنسَجِمُ ولا يَلِيقُ بجَمالِ رَحمَتِه وكَمالِ عَدالَتِه مُطلَقًا، تَعالَى اللهُ عن ذلك عُلُوًّا كَبِيرًا.

[ما الحاجة إلى اللذائذ المادية في الجنة؟]

سُؤالٌ: إنَّ أَجزاءَ الكائِنِ الحَيِّ في تَركِيبٍ وتَحَلُّلٍ دائِمَينِ، وهي مُعرَّضةٌ للِانقِراضِ ولا تَنالُ صِفةَ الأَبَديّةِ، وإنَّ الأَكلَ والشُّربَ لِبَقاءِ الشَّخصِ نَفسِه ومُعاشَرةَ الزَّوجةِ لِبَقاءِ النَّوعِ، فصارَت هذه الأُمُورُ أُمُورًا أَساسِيّةً في هذا العالَمِ؛ أمّا في العالَمِ الأَبَدِيِّ والأُخرَوِيِّ فلا حاجةَ إلَيها، فلِمَ أُدْرِجَت إذًا ضِمنَ لَذائِذِ الجَنّةِ العَظِيمةِ؟

الجَوابُ: أوَّلًا: إنَّ تَعَرُّضَ جِسمٍ حَيٍّ للِانقِراضِ والمَوتِ في هذا العالَمِ، ناجِمٌ مِنِ اختِلالِ مُوازَنةِ الوارِداتِ والصَّرْفيَّاتِ (أي: بينَ ما يَرِدُ وما يُستَهلَكُ)، فالوارِداتُ كَثِيرةٌ مُنذُ الطُّفُولةِ إلى سِنِّ الكَمالِ، وبعدَ ذلك يَزدادُ الِاستِهلاكُ، فتَضِيعُ المُوازَنةُ، ويَمُوتُ الكائِنُ الحَيُّ..

أمّا في عالَمِ الأَبَدِيّةِ، فإنَّ الذَّرّاتِ تَبقَى ثابِتةً لا تَتَعرَّضُ للتَّركِيبِ والتَّحَلُّلِ، أو تَستَقِرُّ المُوازَنةُ، فهي تامّةٌ ومُستَمِرّةٌ بينَ الوارِداتِ والصَّرفِيّاتِ1إنَّ جِسمَ الإنسانِ والحَيَوانِ في هذه الدُّنيا، كأنَّه مَضِيفٌ للذَّرّاتِ، وثُكْنةٌ عَسكَرِيّةٌ لها، ومَدرَسةُ تَعليمٍ لها، حيثُ تَدخُلُ فيه الذَّرّاتُ الجامِدةُ فتَكتَسِبُ لَياقةً تُؤَهِّلُها لتكُونَ ذَرّاتٍ لِعالَمِ البَقاءِ الحَيِّ، ثمَّ تَخرُجُ مِنه، أمّا في الآخِرةِ فإنَّ نُورَ الحَياةِ هناك عامٌّ شامِلٌ لِكُلِّ شَيءٍ لِقَولِه تَعالَى: ﴿وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَان.، فلا حاجةَ إلى ذلك السَّيرِ والسَّفَرِ والتَّعليماتِ، ولا إلى تِلك التَّعليماتِ والتَّدرِيباتِ لِأَجلِ التَّنَوُّرِ. فالذَّرّاتُ تَبقَى ثابِتةً مُستَقِرّةً.﴾ ويُصبِحُ الجِسمُ أَبَدِيًّا معَ اشتِغالِ مَصنَعِ الحَياةِ الجِسمانيّةِ لِاستِمرارِ تَذَوُّقِ اللَّذائِذِ.

فعلى الرَّغمِ مِن أنَّ الأَكلَ والشُّربَ والعَلاقاتِ الزَّوجِيّةَ، ناشِئةٌ عن حاجةٍ في هذه الدُّنيا وتُفضِي إلى أَداءِ وَظِيفةٍ، فقد أُودِعَت فيها لَذائِذُ حُلوةٌ ومُتَنوِّعةٌ تَرجَحُ على سائرِ اللَّذائِذِ، أُجرةً مُعجَّلةً لِتلك الوَظِيفةِ.

فما دامَ الأَكلُ والنِّـكاحُ مَدارَ لَذائِذَ عَجِيبةٍ ومُتَنوِّعةٍ إلى هذا الحَدِّ، في دارِ الأَلَمِ هذه، فلا شَكَّ أنَّ تلك اللَّذائِذَ تَتَّخِذُ صُوَرًا رَفيعةً جِدًّا وسامِيةً جِدًّا، في دارِ اللَّذّةِ والسَّعادةِ، وهي الجَنّةُ فَضْلًا عن لَذّةِ الأُجرةِ الأُخرَوِيّةِ للوَظِيفةِ الدُّنيَوِيّةِ، الَّتي تَزِيدُها لَذّةً. وعَلاوةً على لَذّةِ الشَّهِيّةِ الأُخرَوِيّةِ اللَّطِيفةِ نَفسِها، بَدَلًا عنِ الحاجةِ الدُّنيَوِيةِ -الَّتي تَزِيدُها لَذّةً أُخرَى- حتَّى تَزدادَ تلك اللَّذائِذُ لَطافةً وذَوْقًا بحَيثُ تكُونُ لَذّةً جامِعةً لِجَمِيعِ اللَّذائذِ، ونَبعًا حَيًّا فَيّاضًا لِلَذائِذَ لائِقةٍ بالجَنّةِ ومُلائِمةٍ للأَبدِيّةِ؛ إذِ المَوادُّ الجامِدةُ الَّتي لا شُعُورَ لها ولا حَياةَ، في دار الدُّنيا هذه، تُصبِحُ هناك ذاتَ شُعُورٍ وحَياةٍ بدَلالةِ الآيةِ الكَرِيمةِ: ﴿وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾.

فالأَشجارُ هناك كالإنسانِ هنا، تُدرِكُ الأَوامِرَ وتُنَفِّذُها، والأَحجارُ هناك كالحَيَواناتِ هنا، تُطِيعُ ما تُؤمَرُ. فإذا قُلتَ لِشَجَرةٍ: أَعطِيني ثَمَرةَ كذا. تُعطِيك حالًا، وإن قُلتَ لِحَجَرٍ: تَعالَ هنا. يَأْتيك.

فما دامَتِ الأَشجارُ والأَحجارُ تَتَّخِذُ مِثلَ هذه الدَّرَجاتِ العاليةِ مِنَ الصِّفاتِ، فلا شَكَّ أنَّ الأَكلَ والشُّربَ والنِّـكاحَ -معَ الحِفاظِ على الحَقِيقةِ الجِسمانيّةِ- تَتَّخِذُ صُوَرًا رَفيعةً عالِيةً تَفُوقُ دَرَجَتَها الدُّنيَوِيّةَ بنِسبةِ سُمُوِّ دَرَجةِ الجَنّةِ على الدُّنيا.

[كيف يكون “المرء مع من أحب”؟]

سُؤالٌ: يَحضُرُ أَعرابيٌّ مَجلِسَ الرَّسُولِ ﷺ لِدَقيقةٍ واحِدةٍ، فيَكسِبُ مَحَبّةً للهِ، ويكُونُ معَه ﷺ في الجَنّةِ حَسَبَ ما وَرَد في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ: “المَرْءُ معَ مَن أَحَبَّ”، فكيف يُعادَلُ فَيضٌ غيرُ مُتَناهٍ يَنالُه الرَّسُولُ الكَرِيمُ ﷺ معَ فَيضِ هذا الأَعرابيِّ؟

الجَوابُ: نُشِيرُ إلى هذه الحَقيقةِ السّامِيةِ بمِثالٍ: رَجُلٌ عَظِيمٌ أَعَدَّ ضِيافةً فاخِرةً جِدًّا، في بُستانٍ مُزهِرٍ رائِعِ الجَمالِ، وهَيَّأَ مَعرِضًا في مُنتَهَى الزِّينةِ والإبداعِ، جامِعًا لِجَمِيعِ أَنواعِ المَطعُوماتِ الَّتي تُحِسُّ بها حاسَّةُ الذَّوقِ، شامِلًا جَمِيعَ المَحاسِنِ الَّتي تَرتاحُ إلَيها حاسّةُ البَصَرِ، ومُشتَمِلًا على جَمِيعِ الغَرائِبِ الَّتي تُبهِجُ قُوّةَ الخَيالِ. وهكذا وَضَع فيه كُلَّ ما يُرضِي ويُطَمْئِنُ كلَّ حاسّةٍ مِنَ الحَواسِّ الظّاهِرةِ والباطِنةِ.

والآنَ يَذهَبُ صَدِيقانِ معًا إلى تلك الضِّيافةِ ويَجلِسانِ جَنبًا إلى جَنْبٍ على مائِدةٍ واحِدةٍ في مَكانٍ مُخَصَّصٍ، ولكن لِكَونِ أَحَدِهما يَملِكُ حاسّةَ ذَوْقٍ ضَعِيفةً، لا يَتَذوَّقُ إلّا شَيئًا قليلًا مِن تلك الضِّيافةِ، ولا يَرَى كَثِيرًا مِنَ الأَشياءِ، لأنَّ بَصَرَه ضَعِيفٌ، ولا يَشَمُّ الرَّوائِحَ الطَّيِّبةَ، لأنَّه فاقِدٌ لِحاسّةِ الشَّمِّ، ولا يَفهَمُ خَوارِقَ الأَشياءِ، لِعَجزِه عن إدراكِ غَرائِبِ الصَّنعةِ.. أي: لا يَستَفِيدُ مِن تلك الرَّوضةِ الرّائعةِ، ولا يَذُوقُ مِن تلك الضِّيافةِ العامِرةِ إلّا واحِدًا مِن أَلفٍ، بل مِن مِليُونٍ مِمّا فيها، وذلك حَسَبَ قابلِيّاتِه الضَّعِيفةِ؛ أمّا الآخَرُ، فلِأنَّ جَمِيعَ حواسِّه الظّاهِرةِ والباطِنةِ، وجَمِيعَ لَطائِفِه مِن عَقلٍ وقَلبٍ وحِسٍّ، كامِلةٌ مُكتَمِلةٌ، مُتَفتِّحةٌ مُنكَشِفةٌ بحيثُ يُحِسُّ بجَمِيعِ دَقائقِ الصَّنعةِ مِن ذلك المَعرِضِ البَهِيجِ، وجَمِيعَ ما فيه مِن جَمالٍ ولَطائِفَ وغَرائِبَ، يُحِسُّ بكُلٍّ مِنها ويَتَذوَّقُها، معَ أنَّه جالِسٌ معَ الرَّجُلِ الأَوَّلِ.

فلَئِن كان هذا حَاصِلًا في هذه الدُّنيا المُضطَرِبةِ المُؤلِمةِ الضَّيِّقةِ، ويكُونُ الفَرقُ بَينَهما كالفَرقِ بينَ الثَّرَى والثُّرَيّا، فلا بُدَّ -بالطَّرِيقِ الأَولَى- أن يَأْخُذَ كلُّ امرِئٍ حَظَّه مِن سُفرةِ الرَّحمٰنِ الرَّحِيمِ، في دارِ السَّعادةِ والخُلُودِ، ويُحِسَّ بما فيها على وَفقِ استِعداداتِه، رَغمَ كَونِه معَ مَن يُحِبُّ؛ فالجِنانُ لا تَمنَعُ أن يكُونا معًا بالرَّغمِ مِن تَفاوُتِهما، لأنَّ طَبَقاتِ الجَنّةِ الثَّمانِيَ، كلٌّ مِنها أَعلَى مِنَ الأُخرَى، إلّا أنَّ عَرشَ الرَّحمٰنِ سَقْفُ الكُلِّ، إذ لو بُنِيَت بُيُوتٌ مُتَداخِلةٌ حَولَ جَبَلٍ مَخرُوطِيٍّ، كلُّ مِنها أَعلَى مِنَ الآخَرِ، كالدَّوائرِ المُحِيطةِ بالجَبَلِ، فإنَّ تلك الدَّوائِرَ تَعلُو الواحِدةُ على الأُخرَى، ولكن لا تَمنَعُ الواحِدةُ الأُخرَى عن رُؤيةِ الشَّمسِ، فنُورُ الشَّمسِ يَنفُذُ في البُيُوتِ كُلِّها.. كذلك الجِنانُ شَبِيهةٌ بهذا المِثالِ إلى حَدٍّ مّا، كما يُفهَمُ مِنَ الأَحادِيثِ الشَّرِيفةِ.

[وصف الحور العين]

سُؤالٌ: وَرَد في أَحادِيثَ شَرِيفةٍ ما مُفادُه: أنَّ المَرأةَ مِن نِساءِ أَهلِ الجَنّةِ يُرَى مُخُّ سُوقِها مِن وَراءِ سَبعِين حُلّةً، ما مَعنَى هذا وما المُرادُ مِنه؟ وكيف يُعَدُّ هذا جَمالًا؟

الجَوابُ: إنَّ مَعناه جَمِيلٌ جِدًّا، بل جَمالُه في مُنتَهَى الحُسنِ واللُّطفِ، وذلك: أنَّه في هذه الدُّنيا القَبِيحةِ المَيتةِ الَّتي أَغلَبُها قِشْرٌ، يَكفِي للجَمالِ والحُسنِ أن يَبدُوَ جَمِيلًا للبَصَرِ، ولا يكُونُ مانِعًا للأُلفةِ؛ بَينَما في الجَنّةِ الَّتي هي جَمِيلةٌ وحَيّةٌ ورائِعةٌ وكُلُّها لُبٌّ مَحضٌ لا قِشْرَ فيها تَطلُبُ حَواسُّ الإنسانِ كُلُّها، كالبَصَرِ، ولَطائِفُه كلُّها، أَخْذَ حُظُوظِ أَذواقِها المُختَلِفةِ، ولَذائِذِها المُتَبايِنةِ مِنَ الجِنسِ اللَّطِيفِ، وهُنَّ الحُورُ العِينُ، ومِن نِساءِ الدُّنيا لِأَهلِ الجَنّةِ، وهُنَّ يَفْضُلْنَ الحُورَ العِينَ بجَمالِهنَّ، بمَعنَى أنَّ الحَدِيثَ الشَّرِيفَ يُشِيرُ إلى أنَّه ابتِداءً مِن أَعلَى طَبَقةٍ مِن جَمالِ الحُلَلِ حتَّى مُخِّ السِّيقانِ في داخِلِ العِظامِ، كُلٌّ مِنها مَدارُ ذَوْقٍ لِحِسٍّ مُعَيَّنٍ ولِلَطِيفةٍ خاصّةٍ.

نعم، إنَّ الحَدِيثَ الشَّرِيفَ يُشِيرُ بتَعبِيرِ “على كلِّ زَوجةٍ سَبعُون حُلَّةً، يُرَى مُخُّ سُوقِها” أنَّ الحُورَ العِينَ جامِعةٌ لِكُلِّ نَوعٍ مِن أَنواعِ الزِّينةِ والحُسنِ والجَمالِ المادِّيّةِ والمَعنَوِيّةِ، الَّتي تُشبِعُ وتُرضِي كلَّ ما في الإنسانِ مِن مَشاعِرَ وحَواسَّ وقُوًى ولَطائِفَ عاشِقةٍ لِلحُسنِ، ومُحِبّةٍ للذَّوقِ، ومَفتُونةٍ بالزِّينةِ، ومُشتاقةٍ إلى الجَمالِ.. بمَعنَى أنَّ الحُورَ يَلبَسْنَ سَبعِين طَرْزًا مِن أَقسامِ زِينةِ الجَنّةِ، دُونَ أن يَستُرَ أَحَدُها الآخَرَ، إذ ليس مِن جِنسِه، بل يُبدِينَ جَمِيعَ مَراتِبِ الحُسنِ والجَمالِ المُتَنوِّعةِ بأَجسادِهِنَّ وأَنفُسِهنَّ وأَجسامِهنَّ بأَكثَرَ مِن سَبعِين مَرتَبةً حتَّى يُظهِرْنَ حَقِيقةَ إشارةِ الآيةِ الكَرِيمةِ: ﴿وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ﴾.

ثمَّ إنَّ الحَدِيثَ الشَّرِيفَ يُبيِّنُ أنَّه ليس لِأَهلِ الجَنّةِ فَضَلاتٌ بعدَ الأَكلِ والشُّربِ، إذ ليس في الجَنّةِ ما لا يُحتاجُ إلَيه مِن مَوادَّ قِشْرِيّةٍ زائِدةٍ.. نعم، ما دامَتِ الأَشجارُ في هذه الدُّنيا السُّفلِيّةِ، وهي في أَدنَى مَرتَبةٍ مِن ذَواتِ الحَياةِ، لا تَترُكُ فَضَلاتٍ معَ تَغذِيَتِها الكَثِيرةِ، فلِمَ لا يكُونُ أَهلُ الطَّبَقاتِ العُلْيا، وهم أَهلُ الجَنّةِ دُونَ فَضَلاتٍ؟

[ما الحاجة إلى سعة ملك الجنة؟]

سُؤالٌ: لقد وَرَد في أَحادِيثَ نَبَوِيّةٍ هذا المَعنَى: أنه يُنعَمُ على بعضِ أَهلِ الجَنّةِ بمُلكٍ بِقَدْرِ الدُّنيا كُلِّها، ومِئاتِ الآلافِ مِنَ القُصُورِ ومِئاتِ الآلافِ مِنَ الحُورِ العِينِ، فما حاجةُ رَجُلٍ واحِدٍ إلى هذه الكَثْرةِ مِنَ الأَشياءِ؟ وماذا يَلزَمُه مِنها؟ وكيف يكُونُ ذلك؟ وماذا تَعنِي هذه الأَحادِيثُ؟

الجَوابُ: لو كان الإنسانُ جَسَدًا جامِدًا فحَسْبُ، أو كان مَخلُوقًا نَباتِيًّا، وعِبارةً عن مَعِدةٍ فقط، أو عِبارةً عن جِسْمٍ حَيَوانِيٍّ، وكائِنٍ جِسمانِيٍّ مُؤَقَّتٍ بَسِيطٍ مُقَيَّدٍ ثَقِيلٍ، لَمَا كان يَملِكُ تلك الكَثْرةَ الكاثِرةَ مِنَ القُصُورِ والحُورِ، ولا كانَت تَلِيقُ به، ولكِنَّ الإنسانَ مُعجِزةٌ مِنَ المُعجِزاتِ الإلٰهِيّةِ الباهِرةِ، بحيثُ لو يُعطَى له مُلكُ الدُّنيا كُلِّها وثَروَتُها ولَذائِذُها في هذه الدُّنيا الفانِيةِ وفي هذا العُمُرِ القَصِيرِ فلا يُشبِعُ حِرْصَه، حيثُ هناك حاجاتٌ لِقِسمٍ مِن لَطائِفَ غيرِ مُنكَشِفةٍ.

بَينَما الإنسانُ في دارِ السَّعادةِ الأَبَدِيّةِ، وهو المالِكُ لِاستِعداداتٍ غيرِ مُتَناهِيةٍ، يَطرُقُ بابَ رَحمةٍ غيرِ مُتَناهِيةٍ، بلِسانِ احتِياجاتٍ غيرِ مُتَناهِيةٍ، وبِيَدِ رَغَباتٍ غيرِ مُتَناهِيةٍ، فلا شَكَّ أنَّ نَيلَه لإحساناتٍ إلٰهِيّةٍ كما وَرَد في الأَحادِيثِ الشَّرِيفةِ مَعقُولٌ وحَقٌّ وحَقِيقةٌ قَطْعًا.

وسنَرصُدُ هذه الحَقِيقةَ السّامِيةَ بمِنظارٍ تَمثِيليٍّ على النَّحوِ الآتي: إنَّ لِكُلِّ بُستانٍ مِنَ البَساتِينِ المَوجُودةِ في “بارْلا” صَاحِبَه ومالِكَه كما هي الحالُ في بُستانِ هذا الوادِي2هو بُستانُ سُلَيمانَ الذي خَدَم هذا الفَقِيرَ ثمانِيَ سَنَواتٍ بوَفاءٍ تامٍّ، وقد كُتِب هذا البَحثُ هناك في غُضُونِ ما يَقرُبُ مِن ساعتَينِ.، إلّا أنَّ كلَّ نَحلٍ وطَيرٍ وعُصفُورٍ في “بارْلا” يَستَطِيعُ القَولَ: إنَّ جَمِيعَ بَساتِينِ “بارْلا” ورِياضَها مُتَنزَّهاتي ومَيدانُ جَوَلاني، بالرَّغمِ مِن أنَّه تَكفِيه حَفْنةٌ مِن قُوتٍ. أي: إنَّه يَضُمُّ “بارْلا” كُلَّها في مِلكِه؛ ولا يَجرَحُ حُكمَه هذا اشتِراكُ الآخَرِين معَه.

وكذلك الإنسانُ -الَّذي هو حَقًّا إنسانٌ- يَصِحُّ له أن يقُولَ: إنَّ خالِقِي قد جَعَل لي هذه الدُّنيا كُلَّها بَيْتًا، والشَّمسَ سِراجًا، والنُّجُومَ مَصابِيحَ، والأَرضَ مَهْدًا مَفرُوشًا بزَرابِيَّ مَبثُوثةٍ مُزهِرةٍ. يقُولُ هذا ويَشكُرُ رَبَّه؛ ولا يَنقُضُ حُكمَه هذا اشتِراكُ المَخلُوقاتِ الأُخرَى معَه في الدُّنيا، بلِ المَخلُوقاتُ تُزَيِّنُ بَيتَه وتُجَمِّلُه.

تُرَى! لوِ ادَّعَى إنسانٌ أو طَيرٌ نَوعًا مِنَ التَّصَرُّفِ، في مِثلِ هذه الدَّوائِرِ العُظمَى، ونالَ نِعَمًا جَسِيمةً في هذه الدُّنيا الضَّيِّقةِ جِدًّا، فكيف يُستَبعَدُ إذًا الإحسانُ إلَيه بمُلكٍ عَظِيمٍ، مَسِيرةُ عَرْضِه خَمسُ مِئةِ عامٍ في دارِ سَعادةٍ واسِعةٍ أَبَدِيّةٍ؟

ثمَّ إنَّنا نُشاهِدُ ونَعلَمُ في هذه الدُّنيا الكَثِيفةِ المُظلِمةِ الضَّيِّقةِ وُجُودَ الشَّمسِ بعَينِها في مَرايا كَثِيرةٍ جِدًّا في آنٍ واحِدٍ.. ووُجُودَ ذاتٍ نُورانيّةٍ في أَماكِنَ كَثِيرةٍ في آنٍ واحِدٍ.. وحُضُورَ جَبْرائيلَ عَليهِ السَّلام في أَلفِ نَجمٍ ونَجمٍ وأَمامَ العَرْشِ الأَعظَمِ، وفي الحَضْرةِ النَّبَوِيّةِ وفي الحَضْرةِ الإلٰهِيّةِ في آنٍ واحِدٍ.. ولِقاءَ الرَّسُولِ ﷺ أَتقِياءَ أُمَّتِه في الحَشرِ الأَعظَمِ في آنٍ واحِدٍ.. وظُهُورَه ﷺ في الدُّنيا في مقاماتٍ لا تُحَدُّ في آنٍ واحِدٍ.. ومُشاهَدةَ الأَبدالِ -وهم نَوعٌ غَريبٌ مِنَ الأَولياءِ- في أَماكِنَ كَثِيرةٍ في وَقتٍ واحِدٍ.. وإنجازَ العَوامِّ مِنَ النّاسِ في الرُّؤيا ومُشاهَدَتَهم عَمَلَ سَنةٍ كامِلةٍ في دَقِيقةٍ واحِدةٍ.. ووُجُودَ كلِّ إنسانٍ بالقَلبِ والرُّوحِ والخَيالِ في أَماكِنَ كَثِيرةٍ، وتَكوِينَ عَلاقاتٍ معَها في آنٍ واحِدٍ.. كلُّ ذلك مَعلُومٌ ومَشهُودٌ لَدَى النّاسِ.

فلا شَكَّ أنَّ وُجُودَ أَهلِ الجَنّةِ -الَّذين تكُونُ أَجسامُهم في قُوّةِ الرُّوحِ وخِفَّتِها وفي سُرعةِ الخَيالِ- في مِئةِ أَلفِ مَكانٍ ومُعاشَرَتَهم مِئةَ أَلفٍ مِنَ الحُورِ العِينِ، وتَلَذُّذَهم بمِئةِ أَلفِ نَوعٍ مِن أَنواعِ اللَّذائِذِ، في وَقتٍ واحِدٍ.. لائِقٌ بتلك الجَنّةِ الأَبَدِيّةِ، الجَنّةِ النُّورانيّةِ، غيرِ المُقيَّدةِ، الواسِعةِ، ومُلائِمٌ تَمامًا معَ الرَّحمةِ الإلٰهِيّةِ المُطلَقةِ، ومُنطَبِقٌ تَمامًا معَ ما أَخبَرَ به الرَّسُولُ الكَرِيمُ ﷺ فهو حَقٌّ وحَقِيقةٌ؛ ومعَ كلِّ هذا فإنَّ تلك الحَقائِقَ العَظِيمةَ السّامِيةَ جِدًّا لا تُوزَنُ بمَوازِينِ عُقُولِنا الصَّغِيرةِ.

نعم، لا يَلزَمُ العُقُولَ الصَّغِيرةَ إدراكُ تلك المَعاني، لأنَّ هذا المِيزانَ لا يَتَحمَّلُ ثِقَلًا بهذا القَدْرِ.

﴿سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾

﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾

﴿اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى حَبِيبِكَ الَّذِي فَتَحَ أَبوَابَ الجَنَّةِ بِحَبِيبِيَّتِهِ وبِصَلَاتِهِ، وأَيَّدَتْه أُمَّتُهُ عَلَى فَتحِهَا بِصَلَوَاتِهِم عَلَيهِ، عَلَيهِ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ.

اللَّهُمَّ أَدخِلنَا الجَنّةَ مَعَ الأبرَارِ بِشَفَاعَةِ حَبِيبِكَ المُختَارِ.. آمِينَ﴾‌

    

‌[ذيل صغير حول جهنم]

 

ذَيلٌ صغيرٌ‌

يَخُصُّ جَهَنَّمَ‌

إنَّ الإيمانَ يَضُمُّ بِذْرةَ جَنّةٍ مَعنَوِيّةٍ، كما أنَّ الكُفرَ يُخفِي نَواةَ زَقُّومِ جَهَنَّمَ مَعنَوِيّةٍ، كما أَثبَتْنا ذلك في الكَلِمةِ الثّانيةِ والثّامِنةِ.

إذ كما أنَّ الكُفرَ بِذْرةٌ لِجَهَنَّمَ، فجَهَنَّمُ كذلك ثَمَرةٌ له؛ وكما أنَّ الكُفرَ سَبَبٌ لِدُخُولِ جَهَنَّمَ، كذلك سَبَبٌ لِوُجُودِها وإيجادِها، لأنَّه لو كان هُناك حاكِمٌ صَغِيرٌ ذُو عِزّةٍ وغَيرةٍ وجَلالٍ بَسِيطٍ، وقال له رَجُلٌ فاسِدُ الخُلُقِ مُتَحَدِّيًّا: “إنَّك لا تَقدِرُ على تَأْدِيبِي، ولن تَقدِرَ علَيه”، فلا شَكَّ أنَّه سيَبْني سِجْنًا لِذلك الشَّقيِّ ويُلقِيه فيه ولو لم يَكُن هناك سِجْنٌ.

بَينَما الكافِرُ بإنكارِه وُجُودَ جَهَنَّمَ، يُكَذِّبُ مَن له العِزّةُ المُطلَقةُ والغَيرةُ المُطلَقةُ والجَلالُ المُطلَقُ، ويُسنِدُ إلى القَدِيرِ المُطلَقِ العَجْزَ، ويَتَّهِمُه بالكَذِبِ والعَجْزِ؛ فهو بكُفرِه يَتَعرَّضُ لِعِزَّتِه بشِدّةٍ، ويَمَسُّ غَيرَتَه بقُوّةٍ، ويَطعَنُ في جَلالِه بعِصيانٍ.. فلا شَكَّ أنَّه لو لم يكُن لِوُجُودِ جَهَنَّمَ أَيُّ سَبَبٍ كان -وهو فَرْضُ مُحالٍ- فإنَّه سُبحانَه يَخلُقُ جَهَنَّمَ لِذلك الكافِرِ الَّذي يَتَضمَّنُ كُفرُه هذا الحَدَّ مِنَ التَّـكذِيبِ وإسنادِ العَجْزِ، ويُلقِيه فيها.

﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾

    

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى