الكلمة الثانية عشرة: ومن يؤتَ الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا.
[هذه الكلمة تَعرِض موازنةً بين حكمة القرآن وبين الفلسفة..
ثم تَعرِض ملامحَ الإنسان الذي تُرَبِّيه كلٌّ منهما..
ثم تُبيِّن سُمو القرآن الكريم على سائر الكلام الإلهي]
تأليف: بديع الزمان سعيد النورسي
ترجمة: إحسان قاسم الصالحي
الكلمة الثانية عشرة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾
[مقدمة]
هذه الكلمةُ تُشيرُ إلى مُوازَنةٍ إجماليّةٍ بينَ حِكمةِ القُرآنِ الكَريمِ المُقدَّسةِ وحِكمةِ الفَلسَفةِ، وتُشِيرُ أيضًا إلى خُلاصةٍ مُختَصَرةٍ لِما تُلَقِّنُه حِكمةُ القُرآنِ مِن تَربِيةِ الإنسانِ في حَياتَيهِ الشَّخصِيّةِ والِاجتِماعيّةِ، فَضلًا عن أنَّها تَضُمُّ إشارةً إلى جِهةِ تَرَجُّحِ القُرآنِ الكَرِيمِ وأَفضَلِيَّتِه على سائرِ الكَلامِ الإلٰهِيِّ، وسُمُوِّه على الأَقوالِ قاطِبةً؛ بمَعنَى أنَّ هناك أَربَعةَ أُسُسٍ في هذه الكَلِمةِ:
[الأساس الأول: الفرق بين حكمة القرآن وحكمة الفلسفة]
الأساسُ الأوَّلُ مِن خِلالِ مِنظارِ هذه الحِكايةِ التَّمثِيلِيّةِ، انظُر إلى الفُرُوقِ بينَ حِكمةِ القُرآنِ الكَريمِ وحِكمةِ العُلُومِ:
[حكاية تمثيلية]
أَرادَ حاكِمٌ عَظيمٌ ذُو تَقوَى وصَلاحٍ وذُو مَهارةٍ وإبداعٍ أن يَكتُبَ القُرآنَ الحَكيمَ كِتابةً تَلِيقُ بقُدسِيّةِ مَعانِيه الجَلِيلةِ، وتُناسِبُ إعجازَه البَدِيعَ في كَلِماتِه، فأَرادَ أن يُلبِسَ القُرآنَ الكَريمَ ما يُناسِبُ إعجازَه السّامِيَ مِن ثَوبٍ قَشِيبٍ خارِقٍ مِثْلِه. فطَفِقَ يَكتُبُ القُرآنَ -وهو مُصَوِّرٌ مُبدِعٌ- كِتابةً عَجِيبةً جِدًّا، مُستَعمِلًا جَميعَ أَنواعِ الجَواهِرِ النَّفِيسةِ والأَحجارِ الكَرِيمةِ؛ لِيُشِيرَ بها إلى تَنَوُّعِ حَقائقِه العَظيمةِ؛ فكَتَب بعضَ حُرُوفِه المُجَسَّمةِ بالأَلْماسِ والزُّمُرُّدِ، وقِسمًا مِنها باللُّؤلُؤِ والمَرجانِ، وطائِفةً مِنها بالجَوهَرِ والعَقِيقِ، ونَوعًا مِنها بالذَّهَبِ والفِضّةِ، حتَّى أَضفَى جَمالًا رائعًا وحُسنًا جالِبًا لِلأَنظارِ، يُعْجَبُ بها كلُّ مَن يَراها، سواءٌ أَعَلِمَ القِراءةَ أم جَهِلَها؛ فالجَميعُ يَقِفُون أَمامَ هذه الكِتابةِ البَديعةِ مَبهُوتِينَ، يَغمُرُهمُ التَّبجِيلُ والإعجابُ، ولا سِيَّما أَهلُ الحَقيقةِ الَّذين بَدَؤُوا يَنظُرُون إلَيها نَظرةَ إعجابٍ وتَقديرٍ أَشَدَّ، لِما يَعلَمُون أنَّ الجَمالَ الباهِرَ هذا يَشِفُّ عَمَّا تَحتَه مِن جَمالِ المَعانِي، وهو في مُنتَهَى السُّطُوعِ واللَّمَعانِ وغايةِ اللَّذّةِ والذَّوقِ. ثمَّ عَرَض ذلك الحاكِمُ العَظِيمُ هذا القُرآنَ البَدِيعَ الكِتابةِ، الرّائعَ الجَمالِ، على فَيلَسُوفٍ أَجنَبِيٍّ وعلى عالِمٍ مُسلِمٍ، وأَمَرَهُما: “لِيَكْتُبْ كلٌّ مِنكُما كِتابًا حَولَ حِكمةِ هذا القُرآنِ”، مُلَمِّحًا إلى اختِبارِهما لِيُكافِئَهما. كتَبَ الفَيلَسُوفُ كِتابًا، وكَتَبَ العالِمُ المُسلِمُ كِتابًا.. كان كِتابُ الفَيلَسُوفِ يَبحَثُ عن نُقُوشِ الحُرُوفِ وجَمالِها، وعَلاقةِ بعضِها ببعضٍ، وأَوضاعِ كلٍّ مِنها، وخَواصِّ جَواهِرِها ومِيزاتِها وصِفاتِها فحَسْبُ؛ ولم يَتَعرَّض في كِتابِه إلى مَعانِي ذلك القُرآنِ العَظيمِ قَطُّ، إذ إنَّه جاهِلٌ باللُّغةِ العَرَبيّةِ جَهلًا مُطْبِقًا، بل لم يُدرِكْ أنَّ ذلك القُرآنَ البَدِيعَ هو كِتابٌ عَظِيمٌ تَنِمُّ حُرُوفُه عن مَعانٍ جَلِيلةٍ، وإنَّما حَصَرَ نَظَرَه في رَوْعةِ حُرُوفِه وجَمالِها الخارِقِ؛ ومع هذا فهو مُهَندِسٌ بارِعٌ، ومُصَوِّرٌ فَنّانُ، وكِيميائيٌّ حاذِقٌ، وصائِغٌ ماهِرٌ، لِذا فقد كَتَب كِتابَه هذا وَفْقَ ما يُتقِنُه مِن مَهاراتٍ ويُجِيدُه مِن فُنُونٍ. أمّا العالِمُ المُسلِمُ، فما إن نَظَر إلى تلك الكِتابةِ البَديعةِ حتَّى عَلِمَ أنَّه: كِتابٌ مُبِينٌ وقُرآنٌ حَكيمٌ؛ فلم يَصْرِفِ اهتِمامَه إلى زِينَتِه الظّاهِرةِ، ولا أَشْغَلَ نَفسَه بزَخارِفِ حُرُوفِه البَديعةِ، وإنَّما تَوَجَّه كُلِّـيًّا -وهو التَوّاقُ للحَقِّ- إلى ما هو أَسمَى وأَثمَنُ وأَلطَفُ وأَشرَفُ وأَنفَعُ وأَشمَلُ مِمّا انشَغَلَ به الفَيلَسُوفُ الأَجنَبيُّ بمَلايِينِ الأَضعافِ، فبَحَثَ عمّا تحتَ تلك النُّقُوشِ الجَميلةِ مِن حَقائقَ سامِيةٍ جَليلةٍ وأَسرارٍ نَـيِّرةٍ بَدِيعةٍ، فكَتَب كِتابَه تَفسِيرًا قَيِّمًا لِهذا القُرآنِ الحَكِيمِ، فأَجادَ وأَتقَنَ. قَدَّم كلٌّ مِنهُما ما كَتَبَه إلى الحاكِمِ العَظيمِ.. تَناوَلَ الحاكِمُ أَوَّلًا مُؤَلَّفَ الفَيلَسُوفِ ونَظَر إلَيه مَلِيًّا، فرَأَى أنَّ ذلك المُعجَبَ بنَفسِه والمُقَدِّسَ للطَّبِيعةِ، لم يَكتُب حِكمةً حَقيقيّةً قَطُّ، مع أنَّه بَذَل كلَّ ما في طَوْقِه، إذ لم يَفهَمْ مَعانِيَ ذلك الكِتابِ، بل رُبَّما زاغَ واختَلَطَ عليه الأَمرُ، وأَظهَر عَدَمَ تَوقِيرٍ وإجلالٍ لذلك القُرآنِ، حيثُ إنَّه لم يَكتَرِثْ بمَعانِيه السّامِيةِ، وظَنَّ أنَّه مُجَرَّدُ نُقُوشٍ جَمِيلةٍ وحُرُوفٍ بَدِيعةٍ، فبَخَسَ حَقَّ القُرآنِ وازدَراه مِن حَيثُ المَعنَى؛ لِذا رَدَّ الحاكِمُ الحَكِيمُ مُؤَلَّفَ ذلك الفَيلَسُوفِ وضَرَبَ بِه على وَجهِه وطَرَدَه مِن دِيوانِه. ثمَّ أَخَذ مُؤَلَّفَ العالِمِ المُسلِمِ المُحَقِّقِ المُدَقِّقِ، فرَأَى أنَّه تَفسِيرٌ قَيِّمٌ جِدًّا، بالِغُ النَّفْعِ، فبَارَكَ عَمَلَه، وقَدَّرَ جُهْدَه، وهَنَّأَه علَيه وقالَ: هذه هي الحِكمةُ حَقًّا، وإنَّما يُطلَقُ اسمُ العالِمِ والحَكِيمِ حَقًّا على صاحِبِ هذا المُؤَلَّفِ، وليس الآخَرُ إلَّا فَنّانًا صَنَّاعًا قد أَفرَطَ وتَجاوَزَ حَدَّه.. وعلى إِثرِه كافَأَ ذلك العالِمَ المُسلِمَ وأَجزَلَ ثَوابَه، آمِرًا أن تُمنَحَ عَشْرُ لَيراتٍ ذَهَبِيّةٍ لكلِّ حَرفٍ مِن حُرُوفِ كِتابِه.
[بيان الحكاية التمثيلية]
فإذا فَهِمتَ يا أَخي أَبعادَ هذه الحِكايةِ التَّمثِيلِيّة، فانظُرْ إلى وَجهِ الحَقيقةِ: فذلك القُرآنُ الجَميلُ الزّاهِي، هو هذا الكَونُ البَدِيعُ. وذلك الحاكِمُ المَهِيبُ، هو سُلطانُ الأَزَلِ والأَبَدِ سُبحانَه. والرَّجُلانِ: الأَوَّلُ -أي: ذلك الأَجنَبِيُّ- هو عِلمُ الفَلسَفةِ وحُكَماؤُها. والآخَرُ: هو القُرآنُ الكَريمُ وتَلامِيذُه. نعم، إنَّ القُرآنَ الكَريمَ “المَقرُوءَ” هو أَعظَمُ تَفسِيرٍ وأَسماه، وأَبلَغُ تَرجُمانٍ وأَعلاه لهذا الكَونِ البَدِيعِ، الَّذي هو قُرآنٌ آخَرُ عَظِيمٌ “مَنظُورٌ”. نعم، إنَّ ذلك الفُرقانَ الحَكِيمَ هو الَّذي يُرشِدُ الجِنَّ والإِنسَ إلى الآياتِ الكَونِيّةِ الَّتي سَطَّرَها قَلَمُ القُدرةِ الإلٰهِيّةِ على صَحائفِ الكَونِ الواسِعِ، ودَبَّجَها على أَوراقِ الأَزمِنةِ والعُصُورِ؛ وهو الَّذي يَنظُرُ إلى المَوجُوداتِ -الَّتي كلٌّ مِنها حَرفٌ ذُو مَغزًى- بالمَعنَى الحَرفِيِّ، أي: يَنظُرُ إلَيها مِن حَيثُ دَلالَتُها على الصّانِعِ الجَليلِ، فيَقولُ: ما أَحسَنَ خَلْقَهُ! ما أَجمَلَ خَلْقَهُ! ما أَعظَمَ دَلالَتَهُ على جَمالِ المُبدِعِ الجَلِيلِ! وهكذا يَكشِفُ أَمامَ الأَنظارِ الجَمالَ الحَقيقيَّ للكائناتِ. أمّا ما يُسَمُّونَه بعِلمِ الحِكمةِ، وهي الفَلسَفةُ، فقد غَرِقَتْ في تَزيِيناتِ حُرُوفِ المَوجُوداتِ، وظَلَّتْ مَبهُوتةً أَمامَ عَلاقاتِ بعضِها ببعضٍ، حتَّى ضَلَّتْ عنِ الحَقيقةِ؛ فبَينَما كان علَيها أن تَنظُرَ إلى كِتابِ الكَونِ بالمَعنَى الحَرفِيِّ الدّالِّ على الله، إذا بها تَنظُرُ إلَيه بالمَعنَى الِاسمِيِّ، أي: أنَّ المَوجُوداتِ قائمةٌ بذاتِها، وبَدَأَت تَتَحدَّثُ عنها على هذه الصُّورةِ فتَقُولُ: ما أَجمَلَ هذا! بَدَلًا مِن: ما أَجمَلَ خَلْقَ هذا! سالِبةً بهذا القَوْلِ الجَمالَ الحَقيقيَّ للشَّيءِ؛ فأَهانَتْ بإِسنادِها الجَمالَ إلى الشَّيءِ نَفسِهِ جَمِيعَ المَوجُوداتِ، حتَّى جَعَلَتِ الكائناتِ شاكِيةً علَيها يَومَ القِيامةِ.. نعم، إنَّ الفَلسَفةَ المُلحِدةَ إنَّما هي سَفْسَطةٌ لا حَقيقةَ لها، وتَحقِيرٌ للكَونِ وإهانةٌ له.
[الأساس الثاني: الفرق بين التربية القرآنية وتربية الفلسفة]
الأساسُ الثّاني للوُصُولِ إلى مَدَى الفَرقِ بينَ التَّربِيةِ الأَخلاقِيّةِ الَّتي يُرَبِّي بها القُرآنُ الكَرِيمُ تَلامِيذَه، والدَّرسِ الَّذي تُلقِّنُهُ حِكمةُ الفَلسَفةِ، نَرَى أن نَضَع تِلمِيذَيهِما في المُوازَنةِ: فالتِّلمِيذُ المُخلِصُ للفَلسَفةِ “فِرعَونُ“، ولكِنَّه فِرعَونٌ ذَلِيلٌ، إذ يَعبُدُ أَخَسَّ شيءٍ لِأَجْلِ مَنفَعَتِه، ويَتَّخِذُ كلَّ ما يَنفَعُه رَبًّا له. ثمَّ إنَّ ذلك التِّلمِيذَ الجاحِدَ “مُتَمرِّدٌ وعَنُودٌ“، ولكِنَّه مُتَمرِّدٌ مِسكِينٌ يَرضَى لِنَفسِه مُنتَهَى الذُّلِّ في سَبِيلِ الحُصُولِ على لَذّةٍ، وهو عَنُودٌ دَنيءٌ إذ يَتَذلَّلُ ويَخْنَعُ لِأَشخاصٍ هم كالشَّياطِينِ، بل يُقَبِّلُ أَقدامَهم! ثمَّ إنَّ ذلك التِّلمِيذَ المُلحِدَ “مَغرُورٌ، جَبّارٌ“، ولكِنَّه جَبّارٌ عاجِزٌ لِشُعُورِه بمُنتَهَى العَجزِ في ذاتِه، حيثُ لا يَجِدُ في قَلبِه نُقطةَ استِنادٍ. ثمَّ إنَّ ذلك التِّلمِيذَ “نَفْعِيٌّ ومَصلَحِيٌّ” لا يَرَى إلَّا ذاتَه. فغايةُ هِمَّتِهِ تَلبِيةُ رَغَباتِ النَّفسِ والبَطْنِ والفَرْجِ. وهو “دسَّاسٌ مَكَّارٌ” يَتَحَرَّى عن مَصالِحِه الشَّخصِيّةِ ضِمْنَ مَصالِحِ الأُمّةِ. بَينَما تِلمِيذُ القُرآنِ المُخلِصُ هو “عَبدٌ“، ولكِنَّه عبدٌ عَزيزٌ لا يَستَذِلُّ لِشَيءٍ حتَّى لِأَعظَمِ مَخلُوقٍ، ولا يَرضَى حتَّى بالجَنّةِ -تلك النِّعمةِ العُظمَى- غايةً لِعُبُودِيَّتِه للهِ. كما أنَّ تِلمِيذَ القُرآنِ “مُتَواضِعٌ، تَقِيٌّ نَقِيٌّ“، ولكِنَّه لا يَتَذَلَّلُ بإِرادَتِه لِغَيرِ فاطِرِه الجَليلِ ولِغَيرِ أَمرِه وإِذنِه. ثمَّ إنَّه “فَقيرٌ وضَعيفٌ” مُوقِنٌ بفَقرِه وضَعفِه، ولكِنَّه مُسْتَغْنٍ عن كلِّ شيءٍ بما ادَّخَرَه له مالِكُه الكَريمُ مِن خَزائنَ لا تَنفَدُ في الآخِرةِ. وهو “قَوِيٌّ” لاستِنادِه إلى قُوّةِ سَيِّدِه المُطلَقةِ. ثمَّ إنَّه لا يَعمَلُ إلَّا لِوَجهِ اللهِ، بل لا يَسعَى إلَّا ضِمنَ رِضاهُ بُلُوغًا إلى الفَضائلِ ونَشْرِها.
وهكذا تُفهَمُ التَّربِيةُ الَّتي تُرَبِّي بها الحِكمَتانِ، لَدَى المُقارَنةِ بينَ تِلمِيذَيهِما.
[الأساس الثالث: تفوُّق القرآن على الفلسفة في بناء الحياة الاجتماعية]
الأساسُ الثّالثُ أمّا ما تُعطِيه حِكمةُ الفَلسَفةِ وحِكمةُ القُرآنِ مِن تَربِيةٍ للمُجتَمَعِ الإِنسانِيِّ فهي: أنَّ حِكمةَ الفَلسَفةِ تَرَى “القُوّةَ” نُقطةَ الِاستِنادِ في الحَياةِ الِاجتِماعيّةِ، وتَهدُفُ إلى “المَنفَعةِ” في كلِّ شيءٍ، وتَتَّخِذُ “الصِّراعَ” دُستُورًا للحَياةِ، وتَلتَزِمُ “بالعُنصُرِيّةِ والقَوْمِيّةِ السَّلبِيّةِ” رابِطةً للجَماعاتِ؛ أمّا ثَمَراتُها فهي إِشباعُ رَغَباتِ الأَهواءِ والمُيُولِ النَّفسِيّةِ الَّتي مِن شَأْنِها تَأْجِيجُ جُمُوحِ النَّفسِ وإِثارةُ الهَوَى. ومِنَ المَعلُومِ أنَّ شَأْنَ “القُوّةِ” هو “الِاعتِداءُ”.. وشَأْنَ “المَنفَعةِ” هو “التَّزاحُمُ”، إذ لا تَفِي لِتَغطِيةِ حاجاتِ الجَميعِ وتَلبِيةِ رَغَبَاتِهم.. وشَأْنَ “الصِّراعِ” هو “النِّزاعُ والجِدالُ”.. وشَأْنَ “العُنصُريّةِ” هو “الِاعتِداءُ” إذ تَكبُرُ بابتِلاعِ غَيرِها وتَتَوسَّعُ على حِسابِ العَناصِرِ الأُخرَى. ومِن هنا تَلْمَسُ لِمَ سُلِبَت سَعادةُ البَشَريّةِ، مِن جرَّاءِ اللَّهاثِ وَراءَ هذه الحِكمةِ. أمّا حِكمةُ القُرآنِ الكَريمِ، فهي تَقبَلُ “الحَقَّ” نُقطةَ استِنادٍ في الحَياةِ الِاجتِماعِيّةِ، بَدَلًا مِنَ “القُوّةِ”، وتَجعَلُ “رِضَى اللهِ سُبحانَه” ونَيلَ الفَضائلِ هو الغايةَ، بَدَلًا مِنَ “المَنفَعةِ”، وتَتَّخِذُ دُستُورَ “التَّعاوُنِ” أَساسًا في الحَياةِ، بَدَلًا مِن دُستُورِ “الصِّراعِ”، وتَلتَزِمُ برابِطةِ “الدِّينِ” والصِّنفِ والوَطَنِ لِرَبطِ فِئاتِ الجَماعاتِ بَدَلًا مِنَ “العُنصُريّةِ والقَومِيّةِ السَّلبِيّةِ”، وتَجعَلُ غاياتِها الحَدَّ مِن تَجاوُزِ النَّفسِ الأَمّارةِ ودَفعِ الرُّوحِ إلى مَعالِي الأُمُورِ، وإِشباعِ مَشاعِرِها السّامِيةِ لِسَوقِ الإنسانِ نحوَ الكَمالِ والمُثُلِ الإنسانيّةِ. إنَّ شَأْنَ “الحَقِّ” هو “الِاتِّفاقُ”.. وشَأْنَ “الفَضِيلةِ” هو “التَّسانُدُ”.. وشَأْنَ دُستُورِ “التَّعاوُنِ” هو “إغاثةُ كلٍّ للآخَرِ”.. وشَأْنَ “الدِّينِ” هو “الأُخُوّةُ والتَّكاتُفُ”.. وشَأْنَ “إِلْجامِ النَّفسِ” وكَبْحِ جِماحِها وإِطلاقِ الرُّوحِ وحَثِّها نحوَ الكَمالِ هو “سَعادةُ الدّارَينِ”.
[الأساس الرابع: سرُّ تفوق القرآن الحكيم على سائر الكلمات الإلهية]
الأساسُ الرّابع إذا أَرَدتَ أن تَفهَمَ كيف يَسمُو القُرآنُ على سائرِ الكَلِماتِ الإلٰهِيّةِ، وتَعرِفَ مَدَى تَفَوُّقِه على جَميعِ الكَلامِ، فانظُرْ وتَأَمَّلْ في هذَينِ المِثالَينِ:
المِثالُ الأوَّل [خطاب السلطان على نوعين]
إنَّ للسُّلطانِ نَوعَينِ مِنَ المُكالَمةِ، وطِرازَينِ مِنَ الخِطابِ والكَلامِ: الأوَّلُ: مُكالَمةٌ خاصّةٌ بوَساطةِ هاتِفٍ خاصٍّ مع أَحَدِ رَعاياه مِنَ العَوامِّ، في أَمرٍ جُزئيٍّ يَعُودُ إلى حاجةٍ خاصّةٍ به. والآخَرُ: مُكالَمةٌ باسمِ السَّلطَنةِ العُظمَى، وبعُنوانِ الخِلافةِ الكُبْرَى، وبعِزّةِ الحاكِمِيّةِ العامّةِ، بقَصدِ نَشرِ أَوامِرِه السُّلطانيّةِ في الآفاقِ، فهي مُكالَمةٌ يُجرِيها مع أَحَدِ مَبعُوثيه أو مع أَحَدِ كِبارِ مُوَظَّفيه.. فهي مُكالَمةٌ بأَمرٍ عَظيمٍ يُهِمُّ الجَميعَ.
المِثالُ الثاني [طريقتان لتلقي نور الشمس]
رجلٌ يُمسِكُ مِرآةً تُجاهَ الشَّمسِ، فالمِرآةُ تَلتَقِطُ -حَسَبَ سَعَتِها- نُورًا وضِياءً يَحمِلُ الأَلوانَ السَّبعةَ في الشَّمسِ؛ فيَكُونُ الرَّجلُ ذا عَلاقةٍ مع الشَّمسِ بنِسبةِ تلك المِرآةِ، ويُمكِنُه أن يَستَفيدَ مِنها فيما إذا وَجَّهَها إلى غُرفَتِه المُظلِمةِ، أو إلى مَشتَلِه الخاصِّ الصَّغيرِ المَسقُوفِ، بَيْدَ أنَّ استِفادَتَه مِنَ الضَّوءِ تَنحَصِرُ بمِقدارِ قابِلِيّةِ المِرآةِ على ما تَعكِسُه مِن نُورِ الشَّمسِ، ولَيسَت بمِقدارِ عِظَمِ الشَّمسِ. بَينَما رَجلٌ آخَرُ يَتْرُكُ المِرآةَ، ويُجابِهُ الشَّمسَ مُباشَرةً، ويُشاهِدُ هَيبَتَها ويُدرِكُ عَظَمتَها، ثمَّ يَصعَدُ على جَبَلٍ عالٍ جِدًّا، ويَنظُرُ إلى شَعشَعةِ سُلطانِها الواسِعِ المَهِيبِ، ويُقابِلُها بالذّاتِ دُونَ حِجابٍ، ثمَّ يَرجِعُ ويَفتَحُ مِن بَيتِه الصَّغيرِ ومِن مَشتَلِه المَسقُوفِ الخاصِّ نَوافِذَ واسِعةً نحوَ الشَّمسِ، واجِدًا سُبُلًا إلى الشَّمسِ الَّتي هي في أَعالي السَّماءِ، ثمَّ يُجرِي حِوارًا معَ الضِّياءِ الدّائمِ للشَّمسِ الحَقيقيّةِ؛ فيُناجي الشَّمسَ بلِسانِ حالِه ويُحاوِرُها بهذه المُحاوَرةِ المُكَلَّلةِ بالشُّكرِ والِامتِنانِ فيقولُ: “إيهِ يا شَمسُ.. يا مَن تَرَبَّعتِ على عَرْشِ جَمالِ العالَمِ.. يا لَطِيفةَ السَّماءِ وزَهراءَها.. يا مَن أَضْفَيتِ على الأَرضِ بَهجةً ونُورًا، ومَنَحْتِ الأَزهارَ ابتِسامةً وسُرُورًا، فلقد مَنَحْتِ الدِّفْءَ والنُّورَ معًا لِبَيتِي ومَشتَلي الصَّغيرِ كما وَهَبتِ للعالَمِ أَجمَعَ الدِّفْءَ والنُّورَ”. بَينَما صاحِبُ المِرآةِ السّابقُ لا يَستَطيعُ أن يُناجِيَ الشَّمسَ ويُحاوِرَها بهذا الأُسلُوبِ، إذ إنَّ آثارَ ضَوءِ الشَّمسِ مُحَدَّدةٌ بحُدُودِ المِرآةِ وقُيُودِها، وهي مَحصُورةٌ بحَسَبِ قابِلِيّةِ تلك المِرآةِ واستِيعابِها للضَّوءِ. وَبَعْدُ.. فانظُر مِن خِلالِ مِنظارِ هذَينِ المِثالَينِ إلى القُرآنِ الكَريمِ لِتُشاهِدَ إعجازَه، وتُدرِكَ قُدسِيَّتَه وسُمُوَّه. أَجَل، إنَّ القُرآنَ الكَريمَ يقُولُ: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾. وهكذا، فإنَّ مَنْحَ القُرآنِ الكَريمِ أَعلَى مَقامٍ مِن بينِ الكَلِماتِ جَميعًا، تلك الكَلِماتِ الَّتي لا تَحُدُّها حُدُودٌ، مَرَدُّه أنَّ القُرآنَ قد نَزَلَ مِنَ الِاسمِ الأَعظَمِ ومِن أَعظَمِ مَرتَبةٍ مِن مَراتِبِ كلِّ اسمٍ مِنَ الأَسماءِ الحُسنَى، فهو كَلامُ اللهِ بوَصفِه رَبَّ العالَمِين، وهو أَمرُه بوَصْفِه إلٰهَ المَوجُوداتِ، وهو خِطابُه بوَصفِه خالِقَ السَّماواتِ والأَرضِ، وهو مُكالَمةٌ سامِيةٌ بصِفةِ الرُّبُوبيّةِ المُطلَقةِ، وهو خِطابُه الأَزَلِيُّ باسمِ السَّلطَنةِ الإلٰهِيّةِ العُظمَى؛ وهو سِجِلُّ الِالتِفاتِ والتَّكريمِ الرَّحمانِيِّ، نابعٌ مِن رَحمَتِه الواسِعةِ المُحِيطةِ بكلِّ شيءٍ؛ وهو مَجمُوعةُ رَسائلَ رَبّانيّةٍ تُبيِّنُ عَظَمةَ الأُلُوهيّةِ، إذ في بِداياتِ بَعضِها رُمُوزٌ وشِفراتٌ؛ وهو الكِتابُ المُقدَّسُ الَّذي يَنثُرُ الحِكمةَ، نازِلٌ مِن مُحِيطِ الِاسمِ الأَعظَمِ، يَنظُرُ إلى ما أَحاطَ به العَرشُ الأَعظَمُ.. ولِأَجلِ هذه الأَسرارِ أُطلِقَ على القُرآنِ الكَريمِ ما هو أَهلُه ولائقٌ به: اسمُ “كَلامِ اللهِ”. أمّا سائرُ الكَلِماتِ الإلٰهِيّةِ: فإنَّ قِسمًا مِنها كلامٌ نابِعٌ باعتِبارٍ خاصٍّ، وبعُنوانٍ جُزئيٍّ، وبتَجَلٍّ جُزئيٍّ لاسمٍ خُصُوصِيٍّ، وبرُبُوبيّةٍ خاصّةٍ، وسُلطانٍ خاصٍّ، ورَحمةٍ خُصُوصيّةٍ.. فدَرَجاتُ هذه الكَلِماتِ مُختَلِفةٌ مُتَفاوِتةٌ مِن حيثُ الخاصُّ والكُلِّيُّ، فأَكثَرُ الإلهاماتِ مِن هذا القِسمِ، إلَّا أنَّ دَرَجاتِها مُتَفاوِتةٌ جِدًّا.
[درجات الإلهام]
فمَثلًا: إنَّ أَبسَطَها وأَكثَرَها جُزئيّةً هي إلهامُ الحَيَواناتِ، ثمَّ إلهامُ عَوامِّ النّاسِ، ثمَّ إلهامُ عَوامِّ المَلائكةِ، ثمَّ إلهامُ الأَولِياءِ، ثمَّ إلهامُ كِبارِ المَلائكةِ. ومِن هذا السِّرِّ نَرَى أنَّ وَلِيًّا يُناجِي رَبَّه بهاتِفِ قَلبِه قائِلًا: “حَدَّثَني قَلبي عن رَبِّي”، فهو لا يقُولُ: حَدَّثَني عن رَبِّ العالَمِين. أو نَراه يقُولُ: إنَّ قَلبي عَرشٌ ومِرآةٌ عاكِسةٌ لِتَجَلِّياتِ ربِّي. ولا يقُولُ: عَرشُ ربِّ العالَمِين؛ لأنَّه يُمكِنُ أن يَنالَ حَظًّا مِنَ الخِطابِ الرَّبّانِيِّ وَفقَ استِعداداتِه وحَسَبَ دَرَجةِ قابِلِيّاتِه، وبنِسبةِ رَفعِ ما يُقارِبُ سَبعين أَلفَ حِجابٍ. نعم، إنَّه بمِقدارِ عُلُوِّ كَلامِ السُّلطانِ الصّادِرِ مِن حيثُ السَّلطَنةُ العُظمَى وسُمُوِّه على مُكالَمَتِه الجُزئيّةِ مع أَحَدِ رَعاياه مِنَ العَوامِّ، وبمِقدارِ ما يَفُوقُ الِاستِفادَة مِن فَيضِ تَجَلِّي الضَّوءِ مِنَ الشَّمسِ الَّتي هي في السَّماء على استِفادةِ فَيضِها مِنَ المِرآةِ، يُمكِنُ فَهْمُ سُمُوِّ القُرآنِ الكَريمِ على جَميعِ الكَلامِ الإلٰهِيِّ والكُتُبِ السَّماوِيةِ. فالكُتُبُ المُقدَّسةُ والصُّحُفُ السَّماوِيّةُ تأتي بالدَّرَجةِ الثّانِيةِ بعدَ القُرآنِ الكَريمِ في دَرَجةِ العُلُوِّ والسُّمُوِّ، كلٌّ له دَرَجَتُه وتَفَوُّقُه، كلٌّ له حَظُّهُ مِن ذلك السِّرِّ للتَّفَوُّقِ، فلَوِ اجتَمَع جَميعُ الكَلامِ الطَّيِّبِ الجَميلِ للإنسِ والجِنِّ -الَّذي لم يَتَرَشَّح عنِ القُرآنِ الكَريمِ- فإنَّه لا يُمكِنُ أن يكُونَ نَظيرًا قَطُّ للقُرآنِ الكَريمِ، ولا يُمكِنُ أن يَدنُوَ إلى أن يكُونَ مِثْلَهُ. وإذا كُنتَ تُريدُ أن تَفهَمَ شيئًا مِن أنَّ القُرآنَ الكَريمَ قد نَزَل مِنَ الِاسمِ الأَعظَمِ ومِنَ المَرتَبةِ العُظمَى لِكلِّ اسمٍ مِنَ الأَسماءِ الحُسنَى، فتَدَبَّر في “آيةِ الكُرسِيِّ”، وكذا الآياتِ الكَريمةِ التّاليةِ، وتَأَمَّلْ في مَعانِيها الشّامِلةِ العامّةِ السّامِيةِ: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ﴾، ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ﴾، ﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ﴾، ﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي﴾، ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ﴾، ﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾، ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ﴾، ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ﴾، ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾، ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ..﴾. وأَمثالِها مِنَ الآياتِ الجَليلةِ، ثمَّ دَقِّقِ النَّظَرَ في السُّوَرِ المُبتَدِئةِ بـ ﴿الحَمْدُ لِلَّه﴾، و﴿سَبَّحَ﴾، و﴿يُسَبِّحُ..﴾ لِتَرَى شُعاعَ هذا السِّرِّ العَظِيمِ، ثمَّ انظُرْ إلى السُّوَرِ المُسَتَهَلّةِ بـ ﴿الٓمٓ﴾، و﴿الٓرٓ﴾، و﴿حمٓ﴾ لِتَفهَمَ أَهَمِّيّةَ القُرآنِ لَدَى رَبِّ العالَمِين. وإذا فَهِمتَ السِّرَّ اللَّطيفَ لِهذا الأَساسِ الرّابعِ، تَستَطيعُ أن تَفهَمَ: السِّرَّ في أنَّ أَكثَرَ الوَحيِ النّازِلِ إلى الأَنبِياءِ إنَّما هو بواسِطةِ مَلَكٍ، أمّا الإِلهامُ فبِلا واسِطةٍ. وتَفهَمَ السِّرَّ في أنَّ أَعظَمَ وَلِيٍّ مِنَ الأَولِياءِ لا يَبلُغُ أيَّ نَبيٍّ كان مِنَ الأَنبِياءِ. وتَفهَمَ السِّرَّ الكامِنَ في عَظَمةِ القُرآنِ وعِزَّتِه القُدسِيّةِ وعُلُوِّ إعجازِه.. وتَفهَمَ سِرَّ لُزُومِ المِعراجِ وحِكمةَ ضَرُورَتِه، أي: تَفهَمَ السِّرَّ في رِحلَتِه (ﷺ) إلى السَّماواتِ العُلَا، وإلى سِدرةِ المُنتَهَى حتَّى كان قابَ قَوسَينِ أو أَدنَى، ومِن ثَمَّ مُناجاتِه له سُبحانَه، مع أنَّه جَلَّ جَلالُه: ﴿أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾، ثمَّ عَودَتِه بطَرْفِ العَينِ إلى مَكانِه. أَجَل، إنَّ شَقَّ القَمَرِ كما أنَّه مُعجِزةٌ لإِثباتِ الرِّسالةِ، أَظْهَرَتْ نُبُوَّتَه إلى الجِنِّ والإِنسِ؛ كذلك المِعراجُ هو مُعجِزةُ عُبُودِيَّتِه (ﷺ)، أَظهَرَت مَحبُوبِيَّتَه إلى الأَرواحِ والمَلائِكةِ.
اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّم عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ، كَمَا يلِيقُ بِرَحمَتِكَ وبِحُرمَتِهِ
آمِينَ
❀ ❀ ❀