خدمة الإيمان

وظيفتنا أعظم من جميع القضايا على وجه الأرض

رسالة إلى كل من يعمل في خدمة حقائق الإيمان والقرآن

كتَب الأستاذ النورسي إلى طلاب النور يبصِّرهم بشرف الخدمة الإيمانية وسموها على جميع القضايا، ويحثهم على التجرد لها والتخلي عن سائر المشاغل الفضولية، فقال:

«إخواني الأعزاء.. اِعلموا يقينًا أن الوظيفة التي تُعنى بها رسائل النور ويشتغل بها طلابُها هي أكبرُ من جميع القضايا الكبرى على وجه الأرض، فلا تلتفتوا إلى قضايا دنيويةٍ تُثير الفضول فتَفْتُروا عن وظيفتكم الباقية؛ أكثِروا من مطالعةِ المسألة الرابعة من «رسالة الثمرة» لكيلا تَضعُف قوَّتُكم المعنوية.

أجل، إنَّ جميعَ القضايا الكبرى لدى أهل الدنيا إنما تَصُبُّ في هذه الحياة الفانية، وتتمحور حول المبدأ الظالم: «مبدأ الصراع»، وتُضحِّي بالمقدَّسات الدينية بكلِّ بطشٍ وقسوةٍ في سبيل الدنيا؛ ولهذا يذيقهم القدَرُ الإلهيُّ جهنمَ معنويةً في نفس جرائمهم التي يرتكبونها.

وإن العمل الذي تَنهض به وتتقلَّد وظيفتَه رسائلُ النور وطلابُها بدلًا من التوجُّه للحياة الفانية، هو إثباتُ أن الموتَ الذي هو ستارٌ للحياة الباقية، وجلَّادَ الأجل الذي يُخيف عَبيدَ الحياة الدنيوية أشدَّ الخوف، ما هما إلا سِتارٌ للحياة الأبدية، وما هما لأهل الإيمان إلا وسيلةٌ للسعادة الأبدية.. أجل، وظيفتُنا إثباتُ ذلك إثباتًا قطعيًّا بدرجة البداهة.. وما زلنا إلى اليوم نبيِّن هذه الحقيقة ونُجَلِّيها.

والحاصل أن أهل الضلالة يناضلون لأجل حياةٍ مؤقتة، أما نحن فنتصدى لقضيةِ الموت بنور القرآن، فأكبر قضاياهم لا تَعْدِل أصغر قضايانا، لأن قضاياهم مؤقَّتة، وقضايانا تتوجَّه للبقاء؛ وما داموا لحماقتهم يترفَّعون عن قضايانا العظيمةِ ولا يتدخلون بها، فلماذا نتابع قضاياهم الدَّنِيَّة ونهتمُّ بها مُضِرِّين بوظيفتنا القدسية؟!

إن الآية الكريمة تقول: (لا يَضُرُّكم مَن ضَلَّ إذا اهتديتم) [المائدة:105]، أي إنَّ ضلالة الآخَرين لا تضرُّ هداكم إنْ لم تنشغلوا بها بغيرِ لزوم؛ وأحدُ قواعد الأصول الإسلامية المُهِمَّة تقول: «الراضي بالضرر لا يُنظَر له»، أي: مَن رضي لنفسه الضرر، لا تُراعى مصلحتُه، ولا يُنظَر إليه بعين الشفقة والرأفة؛ فما دامت هذه الآيةُ وهذه القاعدةُ تَمنعانِنا من الإشفاق على مَن رضي الإضرارَ بنفسه، فعلينا أن نَحصُر جميعَ قُوانا واهتماماتنا وأوقاتنا لأداء وظيفتنا القدسية، وأن نَعُدَّ كلَّ ما سواها فضولًا لا يَعنينا فلا نضيعَ فيها أوقاتنا، لأننا نحمل النور لا الهِراوة، فليس بمقدورنا أن نعتدي، بل حتى لو اعتُدي علينا فلَسْنا نملك سوى إظهار النور، إذْ حالتُنا حالةُ دفاعٍ نوراني».

[مُلحق أميرداغ 1، ص 53 – 54]

❀  ❀  ❀

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى