[المَلاحق: رسائل متبادلة بين الأستاذ النورسي وطلابه تلامذة رسائل النور، وهي رسائل زاخرة بأحاديث إيمانية ومشاعر صادقة وإرشادات حكيمة]
تأليف: بديع الزمان سعيد النورسي
ترجمة: إحسان قاسم الصالحي
الملاحق
في فقه دعوة النور
[ملخص ملحق بارلا]
تأليف
بديع الزمان سعيد النّورسي
ترجمة
إحسان قاسم الصّالحي
[مقدمة المترجم: ما المَلاحق؟]
ما الملاحق؟
الحمد للّٰه والصلاة والسلام على رسول اللّٰه ومن والاه، وبعد
لا يخفى على القارئ الكريم أن “الملاحق” تعني الرسائل الملحقة بالكتاب بعد الفراغ منه، إلّا أن هذه “الملاحق” واكبتْ رسائلَ النور منذ شروع الأستاذ سعيد النورسي بتأليفها في “بارلا” سنة ١٩٢٧، واستمرت معها لحين ارتحال المؤلف إلى رحمة الرحمن سنة ١٩٦٠.
فهذه “الملاحق” عبارة عن مجموعة مكاتيب جرت بين الأستاذ النورسي وطلابه الأوائل، وطابعُها العام توجيهيّ إرشادي يبين أهميةَ رسائل النور ومنهجَها في الدعوة إلى اللّٰه في هذا العصر، تكتنفُها مكاتيب ودّية يبيّن فيها الطلابُ مدى استفاضتهم الروحية من رسائل النور واستفادِتهم العقلية منها، وكيف أنها حوّلت مجرى حياتهم وفتحت أمامَهم آفاقًا معرفية واسعة، وتتضمن أيضًا خواطر وردت على قلب الأستاذ النورسي يَذكرها لطلابه بصدق وإخلاص، فضلًا عن توجيهات لتقويم السلوك وكيفيةِ التعامل مع الآخرين والحثّ على الإيمان العميق والعمل المتواصل والترابط الوثيق والاعتصام بالكتاب والسنة، مع التأكيد على العبادة وشحن القلب بالذكر والدعاء والتفكر الإيماني، ودوام الاستغفار والانطراح بين يدي المولى القدير عاجزًا فقيرًا.. وأمثالها من الأمور التي تهم كل داعية إلى اللّٰه، بل كل مسلم.
وتتضمن “الملاحق” ثلاثة كتب مستقلة هي: ملحق بارلا، ملحق قسطموني، ملحق أميرداغ، والحقيقة أن هذه الملاحق الثلاثة تشكلت تدريجيًّا، وذلك بضم المكاتيب المتبادلة بعضها ببعض، ثم عرْضِها على الأستاذ النورسي، واختياره ما يصلح للنشر من بينها.
هذا، وإن كل ملحق من هذه الملاحق الثلاثة يبين مرحلة معينة من مراحل حياة الأستاذ النورسي، مثلما يبين مرحلة مميزة أيضًا من تاريخ دعوة النور منذ انبثاقها في تركيا، علمًا أن كل مرحلة من المراحل تبدأ بامتحان عسير وتمحيص إيمانيّ دقيق للعاملين في حقل الإيمان ودعوة القرآن، من سجنٍ وتشريد ونفي وتعذيب، ثم تعقبها المرحلة الأخرى وهكذا.
فملحق بارلا: يضم المكاتيب التي تبدأ منذ نفيِ الأستاذ النورسي إلى ناحية “بارلا” سنة ١٩٢٧ وإقامته الإجبارية هناك إلى أن اقتيد مع طلابه إلى محكمة الجزاء الكبرى في “أسكي شهر” ثم أُودع سجنَها سنة ١٩٣٥.
أما ملحق قسطموني: فيتضمن المكاتيب التي جرت بين الأستاذ النورسي وطلابه بعد قضائه مدة محكوميته في سجن “أسكي شهر” ونفيه إلى قسطموني سنة ١٩٣٦ وإقامته الإجبارية هناك لحين سَوقه مع طلابه النور إلى محكمة دنيزلي سنة ١٩٤٤.
أما ملحق أميرداغ: فعلى جزأين:
الأول: عبارة عن مكاتيب الأستاذ النورسي بعد براءته من محكمة “دنيزلي” سنة ١٩٤٤ وإقامته الإجبارية في “أميرداغ” بقرار من مجلس الوزراء، وينتهي هذا القسم أواخر سنة ١٩٤٧، أي حتى الدخول في السجن الثالث الرهيب، سجن “أفيوُن”.
والقسم الثاني منه: يبدأ من سنة ١٩٤٨ أي من بعد الإفراج عن الأستاذ النورسي وطلابه من سجن “أفيوُن” ورجوعه إلى أميرداغ وإقامته الإجبارية فيها لحين وفاته، تتخللها مكاتيبه التي أرسلها إلى طلابه في أثناء إقامته لمدة شهرين في “أسكي شهر” وثلاثة أشهر في إسطنبول لمرتين (١٩٥٢-١٩٥٣) عند قدومه إليها لأجل الدعوى المُقامة على رسالةِ “مرشد الشباب”، وأيضًا مكاتب التي كتبها في إسبرطة التي كان يسكنها أحيانًا.
أما الرسائل القيمة التي كتبها الأستاذ النورسي في أثناء سجن “أسكي شهر” فقد نشرت في اللمعات، أما رسائل التي كتبها في سجن “دنيزلي” و”أفيون” فقد نشرت ضمن مجموعة “الشعاعات” على وفق ما ارتآه المؤلف نفسه.
ومن الجدير بالذكر أن “الملاحق” هذه امتازت بطابع دعوي خاص في مخاطبة المحبين والمناصرين للدين بل حتى المعارضين له، وحثّهم جميعًا للذود عن الإسلام وعقيدته وتاريخه، لِما واجه المجتمعُ التركي وقتئذ من ملابسات سياسية قاسية شاذة، وحرمانٍ من أبسط المفاهيم الإسلامية في مرحلة لم يكن هناك عمل إسلامي جاد يحمل على عاتقه مسؤولية النهوض بحمل الأمانة وإرشاد أبناء الأمة.
ولكي يجني القارئ الكريم الثمرات الطيبة لهذه “الملاحق” نضع بين يديه الخطوط العريضة للأوضاع السائدة في تلك الفترة والقسمات البارزة لأوضاع كل مرحلة، لتكتمل لديه صورة المرحلة، وليلمس بنفسه أهمية الأمور التي يتطرق إليها الأستاذ النورسي في “الملاحق”.
كانت تركيا في تلك الفترة (١٩٢٠-١٩٥٠) تعيش في ظلام قاتم من الظلم والطغيان والعداء السافر للدين؛ فالسلطة الحاكمة آنذاك أرادت قطع الأمة عن عقيدتها، فحظرت تداول القرآن الكريم، وألغت المدارس الدينية، ومنعت أداء فريضة الحج بحجج مختلفة، وحرمت أداء الأذان وإقامة الصلاة وخطبة الجمعة بالوجه الشرعي وبدّلتها إلى التركية، وفرضت الزي الأوروبي والسفور على النساء، وألغت الحروف العربية المستعملة إلى اللاتينية، وفرضت يوم الأحد عطلةً رسمية بدلًا من يوم الجمعة، ووضعت القوانين الأوروبية موضع التنفيذ بدلًا من أحكام الشريعة، وألّفت المحاكم في طول البلاد وعرضها لتطبيق هذه القوانين، فزرعت الإرهاب والذعر في قلوب الناس، ونصبت المشانق للعلماء ولكل من تحدثه نفسه بالاعتراض على السلطة الحاكمة، ومن جهة أخرى كانت تُروِّج للقومية التركية وامتيازها على غيرها من القوميات، وتُقدِّس الزعماء إلى حدّ التأليه، وتُدرِّس الفلسفة المادية وإنكار الخالق والآخرة في المدارس، مع بث روح الإعجاب بحضارة أوروبا إلى حدّ التميُّع.
ومن هنا نرى أن مرحلتي “بارلا” و”قسطموني” خاصة (١٩٢٧-١٩٤٤) -وكذا أميرداغ- تتميزان بالعمل السري التام والتأسيس الصامت، والتأكيد على الحذر الشديد لإرساء القواعد، وتربية طلاب يتحلون بالإخلاص الكامل، والتفاني في العمل، والوفاء الخالص، والشغف بالدعوة والارتباط المتين بها، وبُعد الهمة في سبيل نشر رسائل النور التي هي تفسير للقرآن الكريم، والعمل المتواصل في ترسيخ حقائق الإيمان في النفوس ودفع الشبهات عنها، في الفترة التي تُعَدُّ أقسى الفترات التي مرت على تركيا حيث الحرب الضروس على الإسلام قائمة تشتد كلما مرّ الزمان، فضلًا عن مصائب الحرب العالمية الثانية -في مرحلة قسطموني- التي أذاقت الناسَ الجوع والفقر مع الخوف والهلع رغم بقاء تركيا في الحياد منها.
استمرت هذه السنوات العجاف والأجواء الحالكة حتى هيأ اللّٰه سبحانه ثلة من الطلاب الميامين من الرعيل الأول من طلبة النور شمروا عن ساعد الجد في العمل الدؤوب، قلوبهم تفيض بالإيمان، أرواحهم مشبوبة نضرة مَلْأى بحب اللّٰه ورسوله (ﷺ)، صدورهم مفعمة بالدعوة إلى الإيمان والقرآن، حتى كان أحدهم يسير ليلًا إلى مطلع الفجر بين الجبال ليوصل الرسالة إلى من يستنسخها باليد.
وطُوال هذه السنين والأستاذ النورسي دائم الاتصال مع طلابه بالمراسلة سرًّا رغم بُعده عنهم، ورغم الترصد الدائم والمراقبة الشديدة، فالتوجيهات مستمرة إلى العمل مع أخذ الحيطة والحذر والجدّ في العمل وملازمة التقوى والزهد والقناعة والغيرة على الإيمان في تواضع جمّ وانقطاع كامل إلى دعوة الإيمان والقرآن.
ومما يلفت النظر أن الأستاذ النورسي ضمّ بين مكاتيبه في “الملاحق” مكاتيبَ وردت إليه من طلابه يُفصحون فيها عن جيشان مشاعرهم القلبية وفيضهم الروحي وتزودهم العقلي لدى قراءتهم رسائل النور التي كلما قرؤوها عملت على تزكية نفوسهم وتنقية فكرهم من الشوائب والشبهات، ودفَعتهم إلى الاعتصام بكتاب اللّٰه وسنة رسوله (ﷺ)، يحدوهم الشوق إلى العمل في سبيل إعلاء كلمة اللّٰه، فمكاتيبهم هذه إنما هي نوع من عرفان للجميل الذي قدمته لهم رسائل النور.
أما في ملحق “أميرداغ” فنجد الأمر قد تغيّر قليلًا حيث أتيحت حرية نسبية للمسلمين، وذلك بعد سنة ١٩٥٠، لذا نرى فيه موازين سياسية وقواعد اجتماعية، ولا سيما في القسم الثاني منه، ورسائل موجهة إلى المسؤولين في البلاد بدءًا من مدير الأمن للولاية إلى مدير الأمن العام إلى محكمة التمييز والمحاكم الأخرى إلى رئاسة الوزارة فرئيس الجمهورية، بل إلى خارج تركيا، بل حتى إلى البابا في الفاتيكان، مع ردود على الصحف المأجورة التي ما فتئت تحرض على المسلمين وتشيع الفتن وتبث الإشاعات.
وحيث إن الأستاذ النورسي نفسه قد اختار من المجموعة الهائلة للمكاتيب المتبادلة بينه وبين طلاب النور ما يصلح للنشر، فقد انتقينا كذلك في أثناء الترجمة من المكاتيب التي اختارها الأستاذ النورسي تلك التي لها فاعليتها في التوجيه والإرشاد وتعبّر عن أساليب الدعوة في مراحلها المختلفة أو العمل مع الموالين والمعارضين بأصنافهم كافة، أو فيها دروس بليغة وحكم رصينة وقواعد سديدة وموازين صائبة يحتاج إليها كل صاحب دعوة، ذلك لأن أمور الدعوة إلى اللّٰه تتكرر في كل مكان وزمان بعُسرها ويُسرها وفي منشطها ومكرهها، لذا تعدّ هذه المكاتيب نماذج حيّة وموفّقة في حقل دعوة الإيمان والقرآن لا يمكن الاستغناء عنها.
ولأهمية “الملاحق” هذه وضعها الأستاذ النورسي ضمن رسائل النور الإيمانية وجَعَلها “المكتوب السابع والعشرين” من مجموعة “المكتوبات”.
والملاحَظ أن من يقرأ “المباحث الإيمانية” في رسائل النور بتأمل عميق، يصفو ذهنُه وتشرق روحُه ويصقل إيمانُه، فيرقى في مدارجه.. وأنّ من يديم قراءة “الدفاعات” المندرجة في ثنايا الرسائل يتجهّز بأعتدةٍ تُعِينه في الدفاع عن دعوته تجاه شياطين الجن والأنس.. وأنّ من يَدرس “الملاحق” دراسة متقنة تصبح حركاتُه وأطواره ونظراته للأحداث والوقائع منسجمةً مع منظور رسائل النور القرآني، فتتوسع مداركُ عقله ويتنور فهمُه ويفيض قلبُه وتستجيش عواطفه ويَنْفُذ نظره إلى البعيد، فلا تزيغ به الأهواء بإذن اللّٰه.
ويجمُل بنا أن ننقل هنا نص رسالة الأستاذ النورسي إلى أحد طلابه الأوائل (خسرو) والتي يبيّن فيها ماهية هذه “الملاحق” ليكون مسك الختام لهذه المقدمة:
“إن هذه الرسالة (أي المكتوب السابع والعشرين) مجلس نوراني عظيم، يتدارس فيه طلاب القرآن الكريم الميامين، ويتداولون فيما بينهم -ضمنًا- الأفكارَ الدائرة ووجهاتِ النظر، ويُدلي كلٌّ بدَلوه فيما تعلّمه من دروس القرآن الكريم.
وهي أيضًا منزل عظيم، ومعرض واسع لعرض الرسائل التي هي صناديقُ مجوهراتِ الخزينة القرآنية المقدسة؛ فكل طالبٍ يَعرض ما أخذه من الجواهر النفيسة على الزبائن الكرام، فبارك اللّٰه فيكم يا أخي خسرو، فلقد جمّلتم ذلك المنزل أيّ “تجميل”.
وتسهيلًا للقارئ الكريم وضعنا بدايةَ كلِّ مكتوب عنوانًا صغيرًا حصرناه بين قوسين مركَّنين، وهو غير موجود في النص التركي.
واللّٰه نسأل أن يوقفنا إلى حُسن القصد وصحة الفهم وصواب القول وسداد العمل؛ وصلِّ اللّٰهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلِّم.
إحسان قاسم الصالحي
❀ ❀ ❀
[مقدمة المؤلف]
ملحق بارلا
﴿بسم اللّٰه الرحمن الرحيم﴾
﴿باسمه سبحانه﴾
﴿وان من شيءٍ الّا يسبح بحمده﴾
المقدمة
هناك خمسة أسباب لإدراج ما كتبه كلٌّ من “خلوصي” “وصبري” في رسائلهما حول انطباعاتهما عن رسائل النور ضمن أجزائها، وهي الآتية:
الأول: أما خلوصي، فإن غَيرته وجدّيته هما أهمُّ سببين لكتابة أواخر “الكلمات” وأغلبِ “المكتوبات”، وكذا الشوق الجاد المنبثق من صميم القلب لدى “صبري” هو السبب في كتابة “المكتوب التاسع عشر” الذي يُكوِّن ثلث “المكتوبات”.
السبب الثاني: هذان الأخَوان المحترمان لم يكونا على علمٍ من أن هذه الفقرات ستنُشر، وإن عدم معرفتهما هذا جعلهما بعيدَين عن التكلف والتصنع، فجاءت كتاباتُهما في غاية الإخلاص، تلك التي تعبّر عما تتحسسه مشاعرُهما وأرواحهما من مراتب الذوق تجاه الرسائل، وتُبيّن في الوقت نفسه أشواقَهما نحو الحقائق الإيمانية، لذا ليس إعجابُهما وتقديرهما من قبيل التقاريظ المعروفة، بل هو تعبيرٌ صادق لا مبالغةَ فيه عمّا لمَساه من حقيقة وذاقاه منها فعلًا.
السبب الثالث: أنهما من طلابي الحقيقيين، ومن رفقائي الصادقين الجادّين، يَحملان ثلاثَ خصالٍ من خصال طلاب النور العاملين في سبيل القرآن، وهي خاصيةُ كلٍّ من “الطالب” و”الأخ” و”الصديق”، بل هما قد فازا بقصَب السَبق في الاتصاف بتلك الصفات الثلاث والتي هي:
الخاصية الأولى: أنهما يتبنيان ما يُنسب إليّ -من رسائل النور- وكأنهما صاحباه بالذات، فإذا ما دُوّنت كلمةٌ من “الكلمات” فإنهما يتذوقانها ذوقًا خالصًا كأنهما قد كتباها وألّفاها بنفسَيهما، فيشكران اللّٰه، فهما كروحٍ حلَّ في جسدين، وهما وارثاي الحقيقيان المعنويان.
الخاصية الثانية: أنهما يعتقدان أن أعظمَ غايةٍ من غايات حياتهما وأجلَّها هي خدمةُ القرآن الكريم بوساطة تلك “الكلمات” النورية، ويدركان أن خدمة الإيمان هي أهم نتيجة حقيقية لحياتَيهما الدنيوية وأعظم وظيفةٍ فطريةٍ لهما في الدنيا.
الخاصية الثالثة: أنهما يشعران بجراحاتهما -بمثل ما أشعرُ بها- ويضمدانها بالأدوية التي أخذتُها من صيدلية القرآن الكريم المقدسة والتي جرّبتُها في نفسي أولًا، وهما يحملان في الوقت نفسه غيرةً عالية سامية للحفاظ على إيمان المؤمنين، لذا يشعران بشفقة عالية لضماد جراحات أهل الإيمان الناشئة من ورود الشبهات والأوهام.
السبب الرابع: أن السيد خلوصي هو كابني المعنوي الوحيد وابنِ أخي “عبد الرحمن” الذي كان مدار سُلواني ووارثي الحقيقي وكان من المتوقع أن يملك دهاءً نورانيًّا، وبعد وفاته حلّ “خلوصي” محلّه، حيث بدأ يوفي الخدمات التي كنتُ أنتظرها من المرحوم حقَّها.
وعندما كنت أكتب “الكلمات” قبل رؤيتي لخلوصي بمدةٍ مديدة شعرت وكأن شخصًا معنويًّا موظفًا بوظيفته العسكرية يمثّل مهمة المخاطَب لي، لذا جاء معظم أمثلتي على وفق وظيفته وسارت مسرى مسلكه، بمعنى أن اللّٰه سبحانه قد جعل هذا الشخص طالبًا ومُعينًا لي في خدمة القرآن والإيمان، وأنا بدوري كنت قد اتخذته مخاطَبًا لي دون قصد أو شعور، وكلّمته في “الكلمات” قبل أن أراه وألقيَ عليه الدرس.
أما “صبري”، فإنه يحمل علامة فارقة فطرية خاصة بي1وهي التحام إبهام الرِّجْل مع التي تليها.، لم أرَها في غير “صبري” في الأماكن التي تجولتُ فيها، ويشعر بصلة قربٍ معي تفوق صلةَ الرحم، وكنت آمُل منه خدمةً يسيرة حيث قد انتبه مؤخرًا، إلّا أنه سبق الجميع، فهذه إشارةٌ إلى أنه “خلوصي الثاني” وأنه مرشح لهذه الخدمة، قد ولّاه العلي القدير لهذه المهمة طالبًا وزميلًا في خدمة القرآن.
السبب الخامس: أنني لا أقبل المدح والثناء وإبداء الإعجاب فيما يخصنّي، لأنني قد لمستُ ضررًا بالغًا منه، ولهذا أنفِر منه نفورًا شديدًا، بل أتجنّبه، خشيةَ أن يكون التقدير والإعجاب مدارَ فخرٍ وغرور، ولكن من حيث إني داعٍ إلى القرآن الكريم وخادِمٌ له، فإن الإعجاب والتقدير لا يعودان لي من هذا الجانب، وإنما يعودان إلى “الكلمات” النورية، بل إلى الحقائق الإيمانية والأسرار القرآنية، ولهذا أقبل مثل هذا النوع من التقدير والإعجاب من باب الشكر للّٰه تعالى لا افتخارًا.
وهكذا فلأن هذين الشخصين قد أدركا هذه الحقيقة أكثرَ من غيرهما، فإن ما كتباه من تقديرٍ وإعجابٍ بغير شعورٍ منهما وبدافعٍ من وجدانهما أصبح سببًا لإدراجه ضمن رسائل النور.
نسأل اللّٰه أن يُكثِّر من أمثالهما ويوفقهما إلى الخير، ولا يُزيغ قلبيهما.. آمين.
اللّٰهم وفّقنا وإياهما وأمثالهما من إخواننا لخدمة القرآن والإيمان كما تحب وترضى، بحق من أنزلتَ عليه القرآن، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليمات ما اختلف المَلَوان، وما دار القَمَران.
سعيد النورسي
❀ ❀ ❀
[الملاحق هي المكتوب السابع والعشرون]
المكتوب السابع والعشرون
و ذيوله
وهو فقرات التقدير والإعجاب المستلة من الرسائل الخاصة للسيد “خلوصي” المخاطَبِ الأول بـ”مكتوبات” النور.
أما القسم الثاني من هذا المكتوب (السابع والعشرين)، أي الذيل، فهو فقرات السيد “صبري” الذي هو حقًّا “خلوصي الثاني”، تلك التي يبين فيها إعجابه وتقديره لرسائل النور2يضم ملحقُ بارلا وذيولُه قسمًا من المكتوب السابع والعشرين، وقد كَمُل فيما بعد هذا المكتوبُ بضم الملاحق الثلاثة معًا، وهي: ملحق بارلا، ملحق قسطموني، ملحق أميرداغ..
❀ ❀ ❀
[مهمة الداعية لا تنتهي]
(مهمة الداعية لا تنتهي)3هذه العناوين الصغيرة للمكاتيب، المحصورة بين قوسين مركنين ليست من النص.
الفقرة الأولى للسيد خلوصي
﴿بسم اللّٰه الرّحمن الرّحيم﴾
﴿وان من شيءٍ الّا يسبح بحمده﴾
السلام عليكم ورحمة اللّٰه وبركاته بعدد ذرات الكائنات أبدًا دائمًا..
أيها الأستاذ المحترم..
لستُ من الكاملين الذين يجدون اللذة ويشعرون بالنشوة لدى رؤية أنفسهم فقراءَ حقراء أمام اللّٰه، ولكني ممن يريد أن يَظهر كما هو، وقد حظي بلطفكم وخطابكم له بـ”طالبي، أخي، ابن أخي”، وحقًّا يا أستاذي إني في وضعٍ وضيعٍ معنويًّا وفي أشد الحاجة إلى دعائكم.
فلقد تعلقت المشيئةُ الإلهية بإظهار بعض لمعات القرآن المبين -الذي هو نورٌ حقًّا وحقيقة- إلى أبناء هذا العصر ولا سيما إلى الفرق الضالة، بيانًا واضحًا وضوحًا جليًّا بحيث يَدخل إلى عيونهم المطموسة، وأصبح الأستاذ المحترم وسيلة للقيام بهذه المهمة الجليلة.
وهكذا -بلطف اللّٰه وفضله وعنايته سبحانه- دُفع طالبُكم هذا -الذي هو لا شيء وعدمٌ في عدم- إلى القيام بخدمة جزئية لأستاذه الذي يوفي مهمة خدمة القرآن العظيم حق الإيفاء، ولهذا فمهما بالغتُ في الشكر للّٰه فهو قليل جدًّا إزاء نعَمِه العظيمة، فليس لي حقّ الفخر قطعًا ولو بمقدار ذرة، بل أطلب العفوَ والصفح عن الأخطاء والذنوب المحتملة في أثناء سيرى للقيام بهذه الخدمة.
لقد أصررتم يا أستاذي المحترم في رسالتيكم الأخيرتين على الإجابة عن سؤال قد تفضلتم به سابقًا، فسمعًا وطاعةً، ولكن إزاء هذا السؤال العسير ليس لي إلّا الالتجاء إلى العناية الإلهية والتشبثُ بالكرم الإلهي والاستمداد من روحانية الرسول الكريم (ﷺ)، ذلك لأني في منتهى العجز والفقر.
[سِتُّ دلائل على أن وظيفة الأستاذ لم تنتهِ]
ولأجل أن يكون الجواب مطابقًا للحق منطبقًا على الحقيقة، أقول: لا شك أن “الكلمات” المباركة هي لمعاتٌ من نور الكتاب المبين، وعلى الرغم من أنها تحتاج إلى إيضاح وشرح في بعض المواضع بسبب أسلوبها الرفيع، فلا نقص ولا قصور فيها بكليتها، ويمكن لكل طبقةٍ من الناس أن تأخذ منها حظَّها، ويكفي لصحة قناعتنا عدمُ قيام أحد بانتقادها لحدّ الآن، بل إبداءُ كلِّ مشرب ومسلكٍ الرضى عنها، وبقاءُ الملحدين إزاءها صُمًّا بُكْمًا.
وها أنذا أُدرج البراهين التي تمكنتُ من التفكر فيها، والتي تدل على عدم انتهاء مهمّتكم:
أولًا: إن واجب العلماء هو الصدعُ بالحق وعدمُ السكوت عنه عند انتشار البدع، وقد ورد الزجر عن السكوت عن الحق في الحديث الشريف.
ثانيًا: أنتم مكلفون باتباع الرسول الكريم (ﷺ)، فضرورةُ أداءِ هذه المهمة مستمرةٌ مدى الحياة.
ثالثًا: إن هذه الخدمة ليست محصورة برأيكم، بل أنتم تُستَخدمون فيها، فأنا على قناعة تامة من أن مهمة أستاذي المحترم إذا ما كمُلت فإنه تعالى يُلهم قلبَه بختام مهمته، مثلما بُلّغ بختام الرسالة مبلِّغُ القرآن فخرُ العالمين، حبيبُ رب العالمين سيدُنا محمد (ﷺ) بالآية الكريمة ﴿اليوم أكملت لكم دينكم﴾.
رابعًا: إن عدمَ ورود أي نقد على “الكلمات” والسكوتَ عليها ليس دليلًا على أن هذا الوضع سيستمر على هذا المنوال إلى النهاية؛ فإنكم يا أستاذي المحترم مكلَّفون أوّلًا بالإجابة عن الهجمات المحتملة التي ستأتي عليها وأنتم ما زلتم على قيد الحياة.
خامسًا: أظنكم لا تدَعون الإجابات والاستيضاحات جانبًا، تلك التي يرجوها مَن ارتبط بـ”الكلمات”، فإن لم يكن هناك إلّا هذا السبب، فلا يمكنكم نسيان الدنيا حتى لو أردتم ذلك.
سادسًا: إن الذين أحبّوكم للّٰه، ويستوضحون منكم أمورًا حول كتاباتكم القيّمة وتقريراتكم في مجالسكم العلمية من مسائل متنوعة لم تُدرج كلُّها في “الكلمات”، مما تَبين بقطعية تامة أن الحاجة لم تنته بعدُ، والخدمةَ الإيمانية لم تبلغ نهايةَ المطاف.
[مذاكرة قلبية من خلوصي]
وأعرض الآن لحضرتكم بضعة أمور:
في الأوقات التي ييسّر اللّٰه لي قراءة “الكلمات” النورية على الجماعة تستجيش مشاعري، فأرجو التفضل بالسماح لأعرضها لكم:
أولًا: عندما أتناول القلم لأكتب لكم -أيها الأستاذ المحترم- ما يعرض لي، أشعر انبساطًا لروحي، حتى إنني أجد أن قلمي يكون ترجمانًا لمشاعري في تلك اللحظة دون اختيار مني.
ثانيًا: لقد فكرت بالآتي: إذا ما فكر كل واحد بأن ينزوي في زاوية مظلمة ليأمن خداع النفس الأمارة بالسوء -تلك العدوّة الكبرى- ويأمنَ مكر شياطين الجن والإنس، وانسحب إلى زاوية النسيان أو أراد أن ينسحب إليها، وأهمل ما حلّ بالعالم الإسلامي والإنساني حتى لم يعد ينفع أحدٌ أحدًا، فأنا أقوم بتبليغ إخواني في الدين هذه الحقائق النورانية، فليعاملني اللّٰه بما يوافق شأن ألوهيته سبحانه، وأرى من المفيد جدًّا صرفَ النظر عن نفسي في تلك الأزمنة، فما الحكمة من هذا الأمر؟
ثالثًا: إن اسمَي “الرحمن الرحيم” قد دخلا في البسملة، فما السبب؟ هل هما في أعظم مرتبة من مراتب الأسماء الحسنى، أم إن هناك سببًا آخر وحكمةً أُخرى؟ هذا السؤال ورد إلى الذهن أثناء كتابتي الرسالة4المكتوب الثامن جواب لهذا الاستفسار..
أستاذي العزيز المحترم.. لسنا وحدنا بحاجة إلى وجودكم، بل العالم الإسلامي كله بحاجة إليكم، لأنكم قد أصبحتم بفضل اللّٰه سبحانه وتعالى وسيلة لظهور “الكلمات” السامية التي نبعت وتلمّعت من نور القرآن المبين والتي تقوّي إيمانَ المؤمنين، وتوقظ الغافلين، وتبين الصراط السوي لهداية الضالين، وتبهت الحكماءَ الفلاسفة وتَدَعُهم في حيرة وذهول.
أسأل اللّٰه الربّ الرحيم أن يديم صحة أستاذنا العزيز وعافيته، ويجعله ذخرًا للأمة المحمدية، آمين بحرمة سيد المرسلين.
خلوصي
❀ ❀ ❀
[إن اللّٰه بالغ أمره]
(إن اللّٰه بالغ أمره)
لقد بدأتُ متوكلًا على اللّٰه بقراءة رسائل النور -بين المغرب والعشاء- للضيوف القادمين، في غرفة الاستقبال التي خصصها والدي لهم، وذلك في الليلة الأولى من وصولي.
أستاذي الحبيب..
مثلما عرضت لكم سابقًا، أنا لا أعتقد أنني سأعيش لشيء إلّا لمعاونة جزئيةٍ جدًّا في إيفاء المهمة المعنوية لأستاذي المحترم، وهي الاضطلاع بالدعوة إلى القرآن الكريم، أي خدمة جزئية في سبيل القرآن الكريم ليس إلّا، فإني أرجو رجاءً خاصًّا ألّا تَدَعوني محرومًا من استفاضاتكم من القرآن الكريم واستخراجاتكم منه -في سبيل نشر حقائق الإيمان والإسلام- ما دمتم باقين هناك.
وسيبلغني اللّٰه سبحانه بدعواتكم المستجابة -إن شاء- إلى ما كنتُ أرغبه وأرجوه من نتائجَ في العمل لرسائل النور، فأكون كالمرحوم عبد الرحمن ممن ينال الإيمان والتوفيق إلى آخر رَمَقٍ من حياته، مقتديًا بفخر العالمين سيدنا محمد المصطفى (ﷺ) وراجيًا السعادة الخالدة، وأكون خَلْفَ أستاذي المحترم وفي جواره.
إن سيد الكائنات وأشرف المخلوقات سيدنا محمد (ﷺ) قد أصبح وسيلة إلى تبليغ القرآن العظيم إلى الناس كافة، فأنتم يا أستاذي تخاطبون الإنسانَ الغافل في هذا العصر باسم اللّٰه تعالى، وبفيوضات ذلك الكتاب المبين، وذلك من خلال رسائل النور، رغم أنها تبدو من تأليفكم.
لذا فإنني أعتقد أن ذلك الحكيم الرحيم الذي يسخّركم في هذا المضمار لا يدَع الأنوار مهملةً تُداس تحت الأقدام، فلا شك أنه سيَبعث من الفانين بل ممن لا يُحسب لهم حساب، بمراتب متفاوتة، مَن يتبنَّونها من الحُفّاظ المبلّغين الناشرين.
خلوصي
❀ ❀ ❀
[متطلبات إنقاذ الإيمان]
(متطلبات إنقاذ الإيمان)
نعم، إن لي -وللّٰه الحمد- طريقًا سويًّا رفيعًا هو الإسلام، ولي منهلٌ عظيم أنهل منه هو مشرَب العجز والفقر إلى اللّٰه، وأقتدي بقائدٍ رائد جليل هو سيد المرسلين الرسول الكريم (ﷺ)، وأسترشد بمرشد عظيم هو القرآن المبين، وأسلك مسلكًا قيّمًا – خدمة الجيش – يبلّغني مرتبة الولاية للّٰه في دقيقة واحدة -كما هو لدى الجندي المرابط في الثغر-؛ فلقد علّمني أستاذي -كما علّم كلَّ ذي عقل- أن الزمان زمانُ إنقاذ الإيمان لا سلوكِ الطريقة الصوفية، فقال: أدِّ حقَّ الصلاة خمسَ أوقات في اليوم، واعمل بالأذكار عقِبها، واتبِع السنةَ الشريفة، واجتنب الكبائر السبع؛ فاستجبتُ بكل ما أملك من روح وقلب.
قلت: نعم، أيها الأستاذ.. قلتُه بتوفيق من اللّٰه سواءٌ لهذا الدرس أم للدروس التي تلقيتُها من رسائل النور، قلتُه لما أظهرها الأستاذ من حقائق استنبطها من القرآن الكريم.. وصدّقتُها بكل جناني.
فالذي لقنني هذا الدرس -درسَ الحقيقة- خاطبتُه بـ”الأستاذ”، تلك الكلمة التي لم أُخاطب بها أحدًا في حياتي غيره، أصبتُ ولم أخطئ.
خلوصي
❀ ❀ ❀
[لا بد من وجدان المخاطب]
(لا بد من وجدان المخاطب)
لقد أكملتُ بفضل اللّٰه كتابة “الموقف الأول من الكلمة الثانية والثلاثين” هديةَ شهر رمضان المبارك، ولئن وفّقني المولى الكريم فسأكتب الرسائل الأخرى في المدة المقررة التي أمرتم بها.
إن هذه “الكلمات” القيمة الرفيعة النورانية جديرة بأن تُكتب بأجود خط، بل حتى بالذهب، إلّا أنها تُكتب من قِبَل هذا العاجز المحروم من جودة الخط إلّا بقدر ما يساعد على القراءة، بل له أخطاء، وهذا مما يكون مبعثًا لأزيد حمدي وشكري للّٰه تعالى.
وحيث إنني سأكون بعيدًا بعدًا ماديًّا عن التفاتاتكم الكريمة، وعن التحيات السارّة التي تبعثونها بشتى الوسائل وعن أوامركم التي هي بمثابة تفسير لرسائل النور وهوامش قيمة وذيول لها.. لأجل كل هذا سأكون متألمًا، ولكني لا أفكر على هذه الصورة من ناحية المعنوية، إذ أقول: سأسعى أينما كنت لوجدان المخاطب الذي سيعير السمعَ للدرس الذي تَلقَيتُهُ بفضل العناية الإلهية دون النظر إلى عجزي وفقري في سبيل نشر الحقيقة، وسأطرق بابَ كل وسيلة من الوسائل، بفضل اللّٰه ثم بفضل دعواتكم.. وهكذا أجد العزاء والسلوان.
ولكني آسف من جانب آخر، هو أن الانشغال بالوظائف الدنيوية تعيق إلى حدٍّ ما انشغالي بـ“بالكلمات” النورية التي أرتاح إليها فطرةً وانجذبتُ لحقائقها.. ولكن لا حيلة لي، فكلما مرّ يومٌ من الأيام ظهر وجهُ الدنيا الفاسد والفاني بأوضح صورة، وتذهب نفسي حسراتٍ على الأوقات الماضية التي لم تُستغل في سبيل الحياة السرمدية.
ولهذا لا أتألم كثيرًا على فراقنا الصوري، ولا سيما بعدما بشَّر أستاذي الحبيب في درسه الأخير لي بيقين جازم عن الحياة الباقية اللذيذة التي تفوق لذتُها ألذَّ حالاتِ هذه الحياة الفانية بمراتب لا تعد.
خلوصي
❀ ❀ ❀
[ساحل السلامة]
(ساحل السلامة)
إن المؤلَّف أو الأثر -كأمثاله- منوَّر مليء بالحِكَم، وسيكون إن شاء اللّٰه دواءً ناجعًا وبلسمًا شافيًا لجرحٍ اجتماعيّ بليغ تعاني منه الأمةُ المحمدية، وكما تفضلتم فـ”الكلمات” المستفاضة من نور القرآن الكريم استفاضة مباشرة، قد عرضتُها على “فلان”، وقرأت عليه عددًا من “الكلمات” فصدّق بها، وسأقرؤها عليه كلما سنح لي الوقتُ.
إني عاجز عن الشكر والحمد للّٰه تعالى إزاء النعم التي أنعم بها عليّ جلّ وعلا، وهي لا تُعد ولا تحصى؛ إذ بينما كنت ملطخًا بالذنوب والمعاصي، أخرجتموني أيها الأستاذ المحترم بإذن اللّٰه من الظلمات إلى النور بوساطة تلك “الكلمات” المباركة المنورة.
وبينما كنت أقضي عمري الماضي بالتحرّي عن الحقيقة، ساقني القدرُ الإلهي -وأنا الضعيف العاصي- إلى الطريقة النقشبندية، وذلك قبل خمس سنوات، تلك الطريقة المتوجهة نحو الشيخ “محمد الكفروي” الذي استلمها من “الشاه النقشبند”، ولكن بعد ذلك انسدّ عليّ الطريق بعد كسوف عابر، فظل هذا العاجزُ يتخبط في طريق شائك مظلم، وإذا بي أخرج من الظلمات إلى النور ومن الدوامات المغرقة إلى ساحل السلامة، ومن المهالك الخطرة إلى السعادة الدائمة بوساطة أنوار “الكلمات” المؤلَّفة من قِبَلكم، فالحمد للّٰه.. وهذا من فضل ربي.
ولقد تفضلتم بالقول: إن زماننا هذا زمن إنقاذ الإيمان..
نعم، أيها الأستاذ المحترم.. إن كلامكم على العين والرأس.
خلوصي
❀ ❀ ❀
[أهمية قراءة المعجزات]
(أهمية قراءة المعجزات)
إن هذه الرسالة (المكتوب التاسع عشر) تعلن بين دفتيها المعجزاتِ الكبرى للرسول الكريم (ﷺ)، وإن إرسالها إليّ خصّيصًا، بعثَت فيَّ حياةً جديدة، فضلًا عن أن مطالعتها تمسّ عواطفي ومشاعري كلها وتثيرها، حتى أصبحتْ وسيلة لأسكُبَ العبرات ساخنة.
خلوصي
❀ ❀ ❀
[مرشدون معنويون]
(مرشدون معنويون)
فقرة من رسالة لأخي عبد المجيد
أقبّل أياديكم وأرجو دعواتكم.. لقد وصلني تأليفُكم الجديد الذي سيكون أستاذًا قديرًا ومرشدًا ساميًا لعبد المجيد العاجز في نفسه والذي تجافى عن الدنيا.
وبهذا أبشّر نفسي وأسلّيها؛ فلئن فقدتُ أستاذًا يخاطبني لفظًا ومشافهة، فقد وجدتُ مرشدِين عديدين معنويين.
إنها حقًّا مؤلَّفات نورانية ترشد إلى الصراط السوي والسداد، رضي اللّٰه عنكم.
عبد المجيد
❀ ❀ ❀
[مرتبة الحب في اللّٰه]
(مرتبة الحب في اللّٰه)
نعم، هناك جهتان أتسلّى بهما:
الأولى: وجودُنا دومًا في صحبة ومسامرة معنوية بوساطة “الكلمات” المباركة التي بين أيدينا.
الثانية: إيماننا أن محبّتنا بفضل اللّٰه هي في مرتبة “الحب في اللّٰه”.
وبناء على هذا فإن أعظم هدية أقدّمها إليكم اليوم وغدًا هو تبليغُ ما علّمتمونا من درس إلى المؤمنين، تبليغًا باسمكم وكالةً حسب المستطاع، وحملُ ما وهبنا اللّٰه سبحانه من محبة حقيقية إلى الأبد.
وإزاء هذا أدعو الربَّ الرحيم الكريم الذي هو أحسن الخالقين وأكرم الأكرمين وأرحم الراحمين أن يبلّغنا ما تَؤول إليه المحبةُ في اللّٰه، والموضَّح في “الموقف الثالث من الكلمة الثانية والثلاثين”.
إننا عازمون على سلوك الحق والصدق والإخلاص برفقة السيد حقي الذي التقيناه في طريق الإيمان التحقيقي.
خلوصي
❀ ❀ ❀
[الأنوار لا تبقى مهملة]
(الأنوار لا تبقى مهملة)
آمُل هنا أن أُسمِع الآخرين تلك “الكلمات” التي عُهد إليّ حملُ أمانتها.. أُسمِعها إلى آذان صاغية بإذنه تعالى ثم ببركة دعائكم.
اطمئنوا يا أستاذي المحترم.. إن هذه الأنوار لا تبقى مهملة قطعًا، فالخالق الكريم الذي أظهرها لأنظار العالم بدَلَّالِ القرآن وخادمه سينشرُها وسيحافظ عليها حتى بأناس عاجزين كأمثالنا، وممن لا يُخطَرون على بال.
فإنني على قناعة من أن خدام القرآن الذين يقولون: قد كسبنا هذا بفضل سعينا وجهودنا. سيرَون في ذلك اليوم أن تلك الخدمة المقدسة قد عُهدت إلى أناس هم أهلٌ لها، ولو أنهم في الظاهر يَبدون ضعفاءَ ليسوا من أهلها، ولهذا أرجو من إخواني هناك أن يكونوا على ارتباط وثيق برسائل النور.
خلوصي
❀ ❀ ❀
[الساعات المباركة]
(الساعات المباركة)
إنني في الأوقات التي أوفَّق فيها -بحول اللّٰه وقوته الصمدانية وعناية اللّٰه ولطفه الرباني- إلى السعي لمطالعة رسائل النور، مكتوباتِ النور، واستنساخها ونشرها وتبليغها الناس -حسب المستطاع- وأمثالها من أعمال البر العظيمة.. أكون -وأنا الفقير إلى اللّٰه- المستفيدَ والمستفيض أولًا وبالذات في تلك الأوقات التي أغتنمها لإفادة الآخرين، ولهذا أجد تلك الساعات مباركةً جدًّا، وأتألم من فراقها، وأتمنى العيشَ بكل روحي وقلبي دائمًا في أجواء تلك الساعات ودوامَها وعدمَ انقطاعها.
ولكن ما الحيلة؟ فإنني في تلك الأوقات التي أغتنمها والتي تمضي بسرعة، أصفّي ذهني وأواجه الأنوار، حيث أجد نفسي أمام مجموعة من الرسائل التي تضم معجزات القرآن، وأحسِب نفسي في مدرسة أستاذي العزيز، وفي الروضة الطاهرة لسيد الكونين سيدنا الرسول الأعظم (ﷺ)، وفي خاتمة المطاف أعرج إلى الحضرة الإلهية المنزهة عن المكان.
ولهذا السبب أتمنى ألّا تكون تلك الأوقاتُ التي لا أنشغل بها بالرسائل من أنفاسي المعدودة من حياتي.
خلوصي
❀ ❀ ❀
[نوافذ النور]
(نوافذ النور)
قرأت الأسبوع الماضي “الذيل الأول والثاني للمكتوب الرابع والعشرين”، قرأتهما على جماعتين مختلفتين، وأصبح المستمعون نشاوى من الإعجاب، وأنا هذا الفقير قد غشيني نورُ ذلك الإعجاز القرآني، وأنا أطالع هذه الرسائل كأسطعِ وأنورِ ما في “الكلمات” و”المكتوبات” النورية، وقد قرأت اليوم (الجمعة) لجارنا “السيد فتحي”، الكلمتين “الحادية عشرة والثالثة عشرة”، ففي الأوقات التي أغتنمها فرصةً للانسلال من المشاغل الدنيوية أُسرع إلى نوافذ النور المفتّحة على مصراعيها، تلك “الكلمات” النورية، فآخذ منها غذائي الروحي والمعنوي، وأحاول أن أجد أحدًا من الناس لأبلّغه بها.
خلوصي
❀ ❀ ❀
[الرسائل تسد حاجة الزمان]
(الرسائل تسد حاجة الزمان)
تسلّمت “المكتوب السادس والعشرين” بكل سرور، قرأتُه مرات ومرات وبإمعان ولهفة ومحبة ولذة وشوق، وتضرعتُ في الختام إلى الباري الجليل القائل: ﴿قل ما يعبؤا بكم ربي لولا دعاؤكم﴾، فدعوتُه سبحانه بلسان انتسابي إليه بالعبودية، وأنا في عجز تام وفقر كامل وشوق عارم.. دعَوتُه دعوةً خالصةً لوجهه الكريم، بالتوفيق لخدماتكم الخالصة للّٰه تعالى، المادية منها والمعنوية، الظاهرة منها والباطنة، والدنيوية منها والأخروية..
وتضرعت إليه جلّ وعلا أن ينشر تلك الأنوار بوضوح وجلاء إلى أهل الإيمان والقرآن، وأن يسجّلها الربُّ الجليل عنده بلطفه وكرمه العميمين، وأن يجعل أستاذنا المحترم عزيزًا في الدارين، وأَمَلي أن يحظى دعائي هذا بنور الآية الكريمة: ﴿ادعوني أستجب لكم﴾.
أستاذي المحترم.. أليس الذي تنتظره منا هو الدعاء؟ لقد جرّب هذا الفقيرُ، وحصل لديّ اليقين الجازم أن قوله تعالى: ﴿وقل جاء الحق وزهق الباطل﴾ له معجزات خالدة لا تموت، فلقد يسّر اللّٰه أنْ قرأتُ الرسائل المرسَلة إليّ هذه المرة على جماعات متنوعة شتى، وكان منهم علماء، وجميعُهم أبدَوا إعجابهم الشديد وتقديرهم العظيم لها.
أما أنا فأقول: إن جميع ما في رسائل النور: “الكلمات” و”المكتوبات” النورية إنما هي لحاجة الزمان، وإن لها المَقدِرةَ على إقناع كل صنف من أصناف أرباب الدين، بل إلزامِ الملحدين، بشرط ألّا يكونوا عنيدين موغلين في العناد؛ ومع هذا فإن الذين ابتُلوا بحب الدنيا -التي تسوق إلى المنافع والمصالح والحرص على الحياة، وفيها الكفر والعناد والغفلة والكسل والشرك والضلال وأمثالها- من المصابين بالأمراض المستعصية، أقول: لا يُستبعَد من هؤلاء إغماضُ العين إزاء تلك الحقائق وإنكارُهم لما يشاهدونه من حق وحقيقة، وغيرُها من الحماقات والجنون، بمعنى أن مَضيف المولى الكريم لا يخلو من أنعام في صور أناسي.
فلو هيأ اللّٰه سبحانه وتعالى من يقوم بنشر هذه الأنوار، فلا شك أن تلك الهذيانات والبلاهات تتوضح أكثر.
خلوصي
❀ ❀ ❀
[درجات الإعجاب والتقدير]
(درجات الإعجاب والتقدير)
وهذه فقرة لأخي عبد المجيد
إن هذه المؤلفات تحظى بالتقدير والإعجاب من قبل التجار والكسَبة والجماعات كافة، فما رآها أحدٌ إلّا وأعجب بها، فهي مؤلّفات سالمة من الانتقاد، ولكن درجات الإعجاب والتقدير متفاوتة حسب درجات الفهم والإدراك، فكلٌّ يستطيع أن يقدِّرها حسب درجة فهمه لها.
عبد المجيد
❀ ❀ ❀
[رسالة أخيرة إلى العم الفاضل]
(رسالة أخيرة إلى العم الفاضل)
رسالة ابن أخي عبد الرحمن -سلف السيد خلوصي- الذي توفي وهو في السادسة والعشرين من عمره، وقد كتبها قبل وفاته بشهرين.
باسمه وإن من شيءٍ إلّا يسبح بحمده
السلام عليكم ورحمة اللّٰه وبركاته
أقبّل أياديكم الكريمة، وأرجو دعواتكم الطيبة، وقد تسلّمت خبرَ عافيتكم وراحتكم مع رسالتكم “الكلمة العاشرة” التي ترشد إلى الخير والسداد، وذلك بوساطة السيد تحسين، فأقدم لكم جزيل شكري وامتناني.
وعلى الرغم من أنني نادم على مفارقتي لكم -خلافًا لأمركم- ومستحقٌّ لعتابكم عليّ، فإن هذا الأمر كان مقدّرًا إذن، ولعل فيما حدث خيرًا لنا، وما حدث إلّا بإرادة اللّٰه وأمره..
وبناء على هذا فإنني بدافع الجهل اقترفتُ ذنبًا وقصّرت تقصيرًا، وقد عوقبتُ من جرائه، فأرجو عفوكم ودعواتكم لكي لا أعاقَب بعد اليوم.
عمي العزيز..
أبيّن لكم أيضًا هذا: إنه بفضل رعايتكم وغيرتكم وهمتكم صُنتُ نفسي عن كل ما يَمَسُّ آخرتي بسوءٍ ويضرها من أعمال وأفعال، وما أزالُ كذلك بفضل اللّٰه.
ومع أنني لاقيتُ كثيرًا من ويلات الدنيا التافهة، وتجرّعتُ غُصَصَها، وشاهدت كثيرًا من ملذاتها وأفراحها أيضًا، وأمضيتُها كلها.. ولكني رغم كل ذلك ما نسيتُ قطعًا -وفي أي وقت كان- أن كل هذا هباءٌ في هباء، وأن لذائذ الدنيا كلّها وأفراحها التي ليست للّٰه عاقبتُها وخيمةٌ، وهي الذل والعذاب الشديد، بينما متاعبُ هذه الدنيا التي يعانيها المرء في سبيل اللّٰه إنفاذًا لأوامره الجليلة تفضي إلى لذائذ وأثوبة دائمة.
ولما كنت أعتقد الأمر على هذه الصورة فقد استطعت بفضل اللّٰه أن أصون نفسي من المفاسد؛ فهذا الشعور وهذه التربية إنما ترسختا في كياني وذهني وخيالي بفضل ما بذلتموه فيّ من جهد، ولكوني أعرف الحقيقة هكذا فإني صابر محتسب للّٰه تجاه كل ما أقاسيه وأكابده.
والآن يا عمي العزيز، ويا أستاذي القدير..
إن مجاهدة نفسي الأمارة بالسوء، وعدم الانصياع لرغباتها المؤلمة العاقبة اضطرتني إلى الزواج، فأنا الآن في راحة من جميع النواحي بفضل اللّٰه وكرمه ولطفه ورحمته تعالى عليّ، حيث لا أختلط مع الآخرين لئلا أسمع المكروه، ولئلا تتسرب فيّ خصالٌ فاسدة، لذا أقضي أوقاتي بعد الدوام الرسمي في البيت شاكرًا للّٰه تعالى.
وبعد، فيا عمي العزيز.. إن أستاذي العظيم ومرشدي الأكبر هو ما أستشعره وأتحسسه من الآية الكريمة: ﴿اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون﴾، فهي التي أيقظتني من نوم الغفلة ومنعَتني من ارتكاب الشرور والمفاسد عقب إرشاداتكم لي.
وإني لأعتقد أن ذلك اليوم قريب جدًّا5إنه لجدير بالملاحظة: أنه يخبر عن وفاته. (المؤلف).
وأن دعائي دومًا “اللّٰهم لا تخرجنا من الدنيا إلّا مع الشهادة والإيمان”، وأن عقيدتي التي أؤمن بها هي6إنه يعلن أنه سيرحل من الدنيا بالإيمان. (المؤلف):
﴿آمنت باللّٰه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره من اللّٰه تعالى، والبعث بعد الموت حق، أشهد أن لا إله إلّا اللّٰه وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله﴾7إن ذكره – في ختام رسالته – الكلمات الإيمانية التي ينطقها المرء لدى لفظه أنفاسه الأخيرة يشير إلى أنه قد أنقذ إيمانه ببطولة من قبضة هذه الدنيا، وأنه سيتركها هكذا. (المؤلف).
ابن أخيكم
عبد الرحمن
❀ ❀ ❀
بمعنى أن “الكلمة العاشرة” قد أصبحت له بمثابة مرشدٍ حقيقي، بحيث رفعَته إلى مرتبة الولاية مباشرة، فأنطقته بهذه الكرامات الثلاث.
لقد فارقني قبل ثماني سنوات، ثم استطاع الحصول على “الكلمة العاشرة”، ومثلما يقول في مستهل رسالته، إنه استفاد منها استفادة عظيمة، وطهّر نفسه من لوثات متراكمة طوال ثماني سنوات.
ويقول في موضع آخر من رسالته -التي طُويت- بيانًا لشوقه إلى “الكلمة العاشرة”: أَرسِل إليّ جميع ما ألّفتَه من “الكلمات” لأكتب من كلٍّ منها ثلاثين نسخة ولأستكتبها، كي تنشر ولا تضيع.
وهكذا فقد فقدتُ وارثًا بطلًا مثل هذا الوارث البطل، فإلى روحه الفاتحة.
سعيد النورسي
❀ ❀ ❀
ذيل
المكتوب السابع والعشرين
[لذة العجز والفقر]
(لذة العجز والفقر)
فقرة للسيد خلوصي
إن كل فرد مؤمن يعرف ببصيرته ما هو جميل حقًّا، كلٌّ حسب درجة فهمه وذوقه، إلّا أن اللذة الكامنة في العجز والفقر، والسمو الذي تنطوي عليه الشفقة والتفكر، لا يُقاس بشيء إطلاقًا.
إنني أتضرع إلى الرب اللطيف الكريم أن يريَنا هذه النتيجة السامية، وهي أن ييسّر لكثير من البصائر رؤيةَ القِطع الألماسية التي تستخرجونها من خزينة القرآن الخاصة وتَدلّون عليها بتعابيركم الرفيعة، وإفاقةَ الغافلين الثملين، ونجاةَ الحائرين، و[أن] يُدخل الفرحَ في قلوب المؤمنين، ويدفع الملحدين والكفار والمشركين إلى دائرة الصواب ونطاق العقل والإنصاف..
أيها الأستاذ المحترم.. إنكم مهما بالغتم في تقديم الشكر إلى اللّٰه العلي القدير فهو في موضعه.
فقد وفقكم اللّٰه -بالعجز والفقر- إلى الوقوف بباب قصر القرآن العظيم والأخذ من خزينته الخاصة مما لا عينٌ رأت ولا أذن سمعت، فتستخرجون ما تشاهدونه -وما يؤذَن لكم منها- من جواهر، الواحدة تلو الأخرى، وتتدبّرون فيها أنتم أولًا ثم تقولون: “أيها الناس، انظروا إلى المولى الكريم الذي فتح لكم أبوابَ مَضيفه، وخلق العوالم برحمته العميمة، وبَرأكم بحكمته، وأرسلكم إلى هذا العالم.. ذلكم رب العالمين.. الذي بيَّن لكم الحكمة في الخلق والقصد من مجيئكم إلى هنا، والمُهمة التي كُلفتم بها، وكل ما تقتضيه العبوديةُ من وظائف وخدمات.. وأمثالها من الأمور التي بيّنها قبل ألف وثلاثمائة سنة بوساطة رسوله الكريم (ﷺ)، فأنا بدوري أبلّغكم تلك الأوامر الرفيعة وتلك الأحكام المقدسة، بلسانكم أنتم بحيث تَقدرون على فهمه فاستمعوا إليها، فإن كنتم ذوي عقل وصواب وذوي بصائر وقلب، وتتمتعون بالإنسانية، فستفهمون الحقيقة وتردون إلى حظيرة الإيمان”.
نعم، يا أستاذي المحترم..
أنتم تبيّنون هذه الأوامر لا غيرَها، ونحن بدورنا قد سمعنا -قدر المستطاع- تلك الأوامر عن كثب والحمد للّٰه، وحثثنا عليها، لمشاهدتها وإشهادها، فلقد أبرزتم لنا تلك القطع الألماسية وأيقظتمونا من الغفلة، وأفهمتمونا الحقيقة، وأصبحتم وسيلةَ خير إلى معرفة الصواب، فليرضَ اللّٰه عنك إلى الأبد.
ونحن وإن لم نكن قد نجونا بعدُ من شرور النفس الأمارة وأحابيل شياطين الجن والإنس، إلّا أننا نجد الذوق واللذة في الانهماك في العمل في حقل هذه الخدمة القرآنية المقدسة، فلئن قصَّرنا في العمل ولم نتمكن منه بما يستحق هذه الخدمة الجليلة، فحسبُنا أننا داخلون فيها والحمد للّٰه، وإنما الأعمال بالنيات.
خلوصي
❀ ❀ ❀
[حول الكلمة الحادية والعشرين]
(حول الكلمة الحادية والعشرين)
فقرة من رسالة صبري كتبها لدى استنساخه للكلمات: “الأولى، والحادية والعشرين، والثانية والعشرين”.
إن جميع رسائل النور، بل كلًّا منها، وكل موضوع من موضوعاتها، تَحُلُّ ما لا يُحصر من المشكلات، وأعتقد أن هذا الأمر مشهود ومسلَّم به، لذا فلو أراد أحد أن يتقرب من بحر هذه الأنوار فإن الكلمات “الأولى، والحادية والعشرين، والثانية والعشرين” كافية لإزالة أمراض القلب وتنوير الروح وبث الفرح والسرور فيها، وإن لم تصل يدُه إلى غيرها بعد.
علمًا أن الكلمة الأولى (مفتاح التوحيد)، والشق الأول من الكلمة الحادية والعشرين (مرقاة إلى الجنة)، والشق الثاني منها صيدلية لا نظير لها لضماد جراحات الأمراض القلبية، بحيث تَخنس بإكسيرِ أدويتها الوساوسُ التي قلّما ينجو منها إنسان، فهو طريق خلاص وسبيل نجاة توصل إلى شاطئ السلامة الأبدّية، بما تفتح للقلب والروح من فيوضات أبدية للقرآن الكريم وأنوارِه الخالدة غير المتناهية.
أما “الكلمة الثانية والعشرون” فإنها ترسّخ العقيدة وترصّن الإيمان ببراهينها ولمعاتها ودلائلها التي لا نظير لها.
صبري
❀ ❀ ❀
[كيف تُقرأ الرسائل؟]
(كيف تُقرأ الرسائل؟)
“هذه الفقرة من رسالة السيد رأفت”
إن “كلماتكم” رفيعة وسامية، ترشد السبيل أمام الحائرين، ينبغي قراءتها بدقة وإمعان مع تحليلٍ فكريّ وعمل عقلي، لأن الدلائل العقلية والموازين المنطقية التي تسوقونها لذيذةُ المذاق مع كونها تثير الإعجاب، حتى إن المرء كلما قرأها زاد شوقُه لقراءة أخرى، وشَعَر بلذة معنوية غير متناهية، فيلازمها ملازمةً لا يستطيع أن يتركها ويتخلى عنها، ولهذا لا تكفي قراءتها مرة واحدة، بل ينبغي قراءتها باستمرار.
رأفت
❀ ❀ ❀
[مفاتيح الأنوار]
الذيل الثاني
هذه مشاعر أخي في الآخرة “بكر آغا” عن الـ”كلمات”، وهو الذي صار سببًا لإيقاظ أهالي إسبارطة وجلب أنظارهم إلى أسرار القرآن، وبهذه الخدمة قد أدّى أعمال علماء أجلاء رغم أنه أمّي.
(مفاتيح الأنوار)
حضرة أستاذي الفاضل..
أقبّل أياديكم الكريمة بكل إجلال واحترام يا سيدي المحترم، وأدعو لكم في كل وقت وآن بما ينطلق به لساني من دعوات خالصة، كما أرجو دعواتكم لي.
سيدي.. لا يخفى عليكم أنّ أخاكم وطالبَكم هذا جاهلٌ أمّي، إلّا أنه بفضل اللّٰه قد استقرأ جميع رسائلكم الفريدة من نوعها واستمع إليها.
فرسائلكم النورانية لا يمكن حجبها عن الأنظار، كما لا يمكن أن يُحجبَ نور الشمس بشيء، فليس هناك احتمال لذلك.
ولقد راقبتُ قلبي وتحريت عن أحوال روحي لدى الاستماع إلى الرسائل، وبدأت أفتش عن مدى ما فهمته من الرسائل فوجدت فورانًا عظيمًا ينبعث من روحي، وجَيَشانًا هائلًا ينطلق من قلبي، حتى يسوقني إلى القيام بعمل للإيمان -بغير شعور مني- وكأنه يناديني قائلًا وملحًّا: هيا هيا!
فأثناء مراقبتي هذه الحالة المنبعثة من روحي، شاهدتُ المفاتيح التي أظهرتْها لي تلك الرسائل النورانية، وأُظهِرت لي وكأنني أُبلِغت أن أفتح بهذه المفاتيح ما يجب فتحه من الأبواب، وكأنني أُمِرت بأن أبحث عن إخواني النوريين وأبلّغ تلك الأنوار المفاضة إلى من هو أهلٌ له، بل اعتبرتُ بثَّ الأنوار المشعة من تلك الرسائل ونشرَها مُهمة أوكلتْ إليّ، وبعد تسلمي تلك المفاتيح من تلك الأنوار، ولأجل أن تشل أيدي الملحدين الخونة فتشتُ عن أولئك الإخوة والتقيتهم والحمد للّٰه، وأودعتُ في أيديهم تلك الأنوار التي هي أمانة اللّٰه وأمانة رسوله الحبيب (ﷺ)، فالحمد للّٰه أولًا وآخرًا على توفيقه سبحانه.
إن من يقرأ مؤلفاتكم القيّمة يدخل حظيرة الإيمان حتمًا، إن كان إنسانًا حقًّا أو حتى إن كان له مساس بالإنسانية، وإلّا فعليه أن يتخلى عن الإنسانية ويقول: لستُ إنسانًا.
هذه المؤلفات كل منها بمثابة “فاتح” بذاته، وسوف تفتح القلوبَ في أرجاء الأرض كافة إن شاء اللّٰه تعالى، نسأل اللّٰه أن ننال من ثوابها في الآخرة.. آمين.
أقبّل أياديكم الكريمة مكررًا وأرجو دعاءكم يا سيدي.
بكر أمر اللّٰه أوغلو
من مدينة “عادلْ جَوازْ” ونسل عبد الجليل
❀ ❀ ❀
[أملٌ لفهم الرسائل]
(أملٌ لفهم الرسائل)
فقرة لخسرو
لم أصادف لحدّ الآن مؤلَّفًا شبيهًا بهذه “الكلمات” الراقية الجميلة، آمُل أن يوفقني اللّٰه بعد دعواتكم، لبلوغ ذلك اليوم الذي أتمكن من فهمها جميعًا، حيث لا يتيسر لكلِّ أحد إدراكُ جميع معانيها.
أحمد اللّٰه حمدًا لا نهاية له، على أن أرشدني إليكم، وأن وفقني على استنساخ تلك “الكلمات”.
خسرو
❀ ❀ ❀
[حول رسالة المعجزات الأحمدية]
(حول رسالة المعجزات الأحمدية)
فقرة للحافظ زهدي الصغير
لقد استطعت بفضل اللّٰه قطفَ ثمرتين أيضًا من الثمرات النورانية لبستان النور، ولكني عاجز عن التعبير عمّا تكمن في تلك الثمار من لذة فائقة، إنني لا أرتوي من أذواقِ مطالعة “المكتوب التاسع عشر” الذي يحملني إلى إدراك تذوق التشرف والمثول في المجلس النبوي المبارك، نبي آخر الزمان (ﷺ)، والحضور والجلوس في مجلسه السعيد.
إن قلمي ناقص وقاصر جدًّا عن التعبير عن إعجابي برسائل النور عامة وتقديري لها.. أسأل اللّٰه المعطي الوهاب أن يوفقني إلى تذوق لذائذ جميع ما في بستان النور من ثمرات يانعة، كما يتذوقها إخواني الأحبة.
الحافظ زهدي الصغير
❀ ❀ ❀
[نور المعراج]
(نور المعراج)
“فقرة لذكائي الفطن الذي سيكون بإذن اللّٰه خسرو الثاني وصبري الصغير”
لقد وُفِّقت اليوم لإكمال قراءة ذلك الكتاب العظيم، ولكن قلمي عاجز كل العجز عن التعبير عن مدى السرور والسعادة التي غمرتني بعد إكمال قراءة رسالة “المعراج”، ومع هذا سأحاول عرضَ مشاعري النابعة من مطالعتها في جملة قصيرة ملخصة: لقد وجدت لدى قراءتي لرسالة “المعراج” نورًا يملأ القلبَ وينير طريقَ السلامة في خضم متاهات بحر الحياة، واصلًا بالإنسان إلى البحر المعنوي الذي يجري نحو السعادة الأبدية.
نعم، إن الحقائق الغزيرة الثابتة بالأدلة القاطعة، والواردةَ في كل مثال من أمثلة الكتاب، جعَلَت الحياةَ السعيدة لخير القرون وزمن المعجزات تنبض بالحياة أمام أعيننا، تلك الحياة التي تملأ أرواحنا نورًا بمجرد التخيّل بها، وتغمرها بالسرور والبهجة، ولا سيما لدى انتقالها من فكر إلى آخر.
لقد جعلني كتاب “المعراج” في حالة انبهار وذهول، وإنه لكافٍ ووافٍ في كل وقت لأن يدحض أقوال المفتونين بالفلسفة، بل له من القوة في الإثبات والدلائل ما تدفعهم ليعلنوا إفلاسهم.
إن كتاب “المعراج” كتاب تاريخٍ جليلٍ يُثبت الحقائقَ التي تتضمنها أصول العقيدة والمستورةَ حتى عن أهل الإيمان، ويقررها بأسلوب معقول وبمنطق سليم بحيث يستطيع المنصفُ المحايد أن يراها ويلمسها.
إن الفيلسوف الغارق في الغفلة، المستسلم للضلالة، ويريد أن يعلو تعقُّله موقعًا مرموقًا، يكون شأنه شأن الملِك المعزول عن العرش، المنزوع عنه جميع الشارات والأوسمة إزاء ذلك الكتاب الرائع، فيستحوذ عليه اليأس والقنوط إلى الأبد، بينما الفيلسوف المدرك، تتحطم قيودُ الفلسفة لديه إزاء هذه الحقائق، وتتحطم أغلال الاعتراض التي تكبّل فكره، الواحدة تلو الأخرى، وعند ذاك يدرك أن دعواه وادعاءاته باطلة، فيهوي للسجود أمام عظمة الخالق القدير سجدةَ تعظيمٍ وإجلال سائلًا المغفرة منه تعالى.
ذكائي
❀ ❀ ❀
[سبيل مأنوس]
(سبيل مأنوس)
فقرة للدكتور
إنني أقرأ مؤلفاتكم القيمة، مغتنمًا الفُرص لذلك، رغم أني لا أتمكن من الإحاطة بكل معانيها، فهي سوانح رائعة بإرشاداتها السامية، لقد ملكَتْ عليَّ مشاعري كلها وأسَرَتني بأذواقها، وستدوم إن شاء اللّٰه مدى الحياة وإلى القبر.
أستاذي.. إن “كلماتكم” قد بدّلتْ فكري الديني تبديلًا حقيقيًّا، وساقتني إلى سبيل مأنوس محبوب، فأنا الآن لا أنظر إلى الحياة كما يَنظر إليها الأطباءُ الآخرون.
الدكتور يوسف كمال
❀ ❀ ❀
[شخصياتٌ ثلاث]
(شخصياتٌ ثلاث)
وهذه الفقرات الطويلة للسيد خلوصي
السلام عليكم ورحمة اللّٰه وبركاته بعدد الملَك والإنس والجان..
أيها الأستاذ العزيز..
إنني محظوظ وسعيد لتَسَلُّمي “المسألة الرابعة من المكتوب الثامن والعشرين” قبل أربعة أيام، ولتَسَلُّمي مسألته “الثانية والثالثة” أمس.
أولًا: أرجو التفضل بالسماح لي لأقول بعض الشيء حول الالتفاتة الكريمة والتقدير العظيم لشخصي العاجز، الذي أبداه أخي “السيد صبري” المحترم، والنابع من تواضعه الجم، وذلك أن في أخيكم هذا المقصّر جدًّا، قطرةً من بحر صفات أستاذه العزيز، فأعرض لكم حالتي انطلاقًا من هذه الجملة.
أولاها: لقد كنت منذ نعومة أظفاري -بلطف من الباري الكريم- متحريًا عن الحقيقة، ومتلهفًا لحقيقة القرآن العظيم، ولقد وجدتُ ما كنت أتحراه وأبحث عنه في قضاء “أكريدر”، وذلك فيما ألّفه الأستاذ المحترم من الكتاب الموسوم بـ”الكلمات”، فوجدت أن هذا الكتاب أنقذني من دوامات الحياة ومشكلاتها، وأبلغني ساحل السلامة، ونجّاني من المهالك والظلمات، موصلًا إياي إلى السعادة والأنوار، فأَورثَ روحي وكياني حبًّا لا يتزلزل نحو ناشر هذه الأنوار القرآنية -التي أيقظتني من الغفلة بإذن اللّٰه- وقام بتبليغها للآخرين وإرشاد الناس إليها، فمنذ تلك اللحظة شعرتُ بعلاقة قوية ورابطة وثيقة نحوه، فالحمد للّٰه والشكر له مائة ألف ألف مرة.
إنني أشعر كلما انشغلت بالأنوار بشوق عارم وذوق لطيف تَفُوقان بمراتب كبيرة جميعَ لذائذ الدنيا.
ثانيتها: أن ما تقتضيه العبودية، وما تُلقيه هذه الأنوار من دروس هو علمي بأن جميع التقصيرات والأخطاء والسيئات والذنوب إنما هي من نفسي، بينما أجد الحسنات والفضائل كلها من فضله سبحانه، فأرغب في الانطلاق إلى ميدان عملِ النورِ والقرآن الكريم حسبةً للّٰه وحده وشكرًا للّٰه على وضعي هذا، ولكن لكوني لا أوفّق في نشرها يتملّكني الألم والحزن، حيث إنها لا تصل إلى يد المؤمنين كافة.
الحالة الثالثة وشخصيتي الحقيقية: إنني أخجل من أن أعرِّف هذه الشخصية، فأدعو اللّٰه سبحانه وتعالى أن يحفظني وإخوتي من دسائس النفس الأمارة ومكايد شياطين الجن والإنس، ولا يجعلنا من الضالين الخائبين، آمين.
إخوتي الأكارم..
إن الأفاضل والأكارم ممن هم إخوة أستاذي وطلابه، يستشعرون الحالة الأولى والثانية في أرواحهم بلا شك، إذن فالذين دخلوا في هذه الطريق مرة واحدة لا يُغلَبون أمام نفوسهم الأمارة بالسوء وشياطينهم، كهذا العاجز، وبنسبةِ تَغَلُّبهم على نفوسهم وشياطينهم تنبسط مشاعرُهم وحواسهم ولطائفهم بالتوفيق الإلهي، حيث اللطائف لا حدود لها في البشر ولا سيما في المؤمنين.
إنَّ توجُّه أستاذي المحترم ذلك التوجّه الكريم إلى طالبه، هذا المقصر، دليل ومثال على درجة شفقته الواسعة على الناس، ولا سيما على المؤمنين، ولا سيما من كان مثلي ممن هو في أمس الحاجة إليه.
الخلاصة: أقول إزاء حسن الظن المفرط نحوي، والالتفاتة التي يبديها الأخ المحترم المتواضع صبري: إنني عبد مذنب مقصر وعاجز وفقير مفلس، وواحد من أمة محمد (ﷺ)، فأنا محتاج جدًّا إلى دعواتكم.
إن أعظم ما أتمناه وأسمَى نياتي والذي أرجوه من اللّٰه سبحانه، هو أن أكون -وأنا حامل للعجز والفقر- مُعينًا لخادم القرآن والداعي إليه، في خدمته المقدسة خدمةِ القرآن والإيمان، وفي استخراجه للآلئِ حقائق القرآن والإعلان عنها.
فلأجل هذه النية السامية، وفي الدقائق التي أنشغل فيها بالأنوار، وأنا أشعر بالسعادة، تَرِد بعض الكلمات إلى قلبي وقلمي من حيث لا أحتسب، فهذه المعرفة لا تعود لي، بل تخص الأنوار المتلمعة من القرآن العظيم، لذا فالأستاذ الحقيقي هو القرآن الكريم.
أما أستاذنا المحترم فهو أليَقُ مَن يُعرِّف القرآن الكريم ويبلِّغه ويدرِّسه، فعلينا أيها الإخوة اغتنام الفرص لشراء تلك الجواهر الثمينة النفيسة، وأن ننقشها نقشًا في قلوبنا ودماغنا، لأنها (أي هذه الأنوار) ستكون مدار سُلوانٍ لنا في الدارين، وأن نسعى لنشرها حسب استطاعتنا، ونصونَها مما قد يطرأ عليها من مؤثرات خارجية، ومن اللّٰه التوفيق.
خلوصي
❀ ❀ ❀
[ستكون الرسائل أنشودة]
(ستكون الرسائل أنشودة)
فقرة السيد سليمان الذي عاونني في شؤوني طوال ست سنوات بوفاء خالص، ولم يُثر غضبي وأنا العصبيّ المزاجِ، مُزاولًا وظيفة كتابة المسودات باستمرار.
سيدي المحترم..
أقبّل أياديكم أولًا، وأرجو دعاءكم، فأنا طالبكم وأخوكم ومعاونكم في الأمور، المدعو سليمان، قد طالعتُ ما قمتم بتأليفه من الأنوار إلى الآن، رسالةً تلوَ رسالة، وشاهدتُ في كل منها من الأنوار الساطعة ما هو كالشمس المنيرة، واستفدتُ منها أيَّما استفادة؛ حيث وضَّحتْ لي تلك الأنوارُ طريقَ الآخرة ونوّرتْه وبينتْ لي كثيرًا مما كنت أجهله في ذلك الطريق، فرضي اللّٰه عنكم، وأعتذر عن بيان شكراني إليكم.
ولما كنت عاجزًا عن تصوير وتمثيل تلك الأنوار في نفسي، تشبثتْ روحي فصورتْ مشاعري القلبية على هذه الصورة، أقدمها لكم راجيًا عفوكم الكريم عن النقائص والأخطاء.
سيدي الكريم..
إن ما شاهدتُه من طعوم اللذة والسعادة في بحر رسائل النور، لم أر مثلَها أبدًا في حياتي الدنيا كلِّها، فلقد أدركتُ بعد محاكماتي الوجدانية يقينًا أن كل رسالة من تلك الرسائل بحد ذاتها تفسير للقرآن الكريم، وأن مطالعتها مَرْهَمٌ سريعُ التأثير، وترياقٌ نافع للجروح المعنوية التي ابتلي بها المحرومون عن الإنسانية وهم في صور أَناسِيّ، فأنا بقريحتي الضئيلة هذه قد أدركت هذا الأمر، وأعتقد أن الزمان سيُظهر قيمة هذه الرسائل، وأنها ستكون أنشودة تترنم بها الألسنة وتجول شرقًا وغربًا، وستُبين لأوروبا -بإذن اللّٰه- كيف أن الإسلام نور إلهي ساطع.
أقبل أياديكم مرة أخرى، راجيًا دعواتكم الكريمة يا سيدي.
طالبكم سليمان
❀ ❀ ❀
[ماهية الملاحق]
(ماهية الملاحق)
أخي السعيد خسرو..
إن هذه الرسالة (أي المكتوب السابع والعشرين) مجلس نوراني عظيم، يتدارس فيه طلابُ القرآن الكريم الميامين، ويتداولون فيما بينهم ضمنًا الأفكارَ الدائرة حول الإيمان ويتذاكرون ما فيها من المعاني.
فهذه الرسالة رواقُ مدرسةٍ عالية رفيعة، يتبادل فيه حملةُ القرآن الآراء والأفكار ووجهاتِ النظر، ويدلي كلٌّ بِدَلوه فيما تَعلّمه من دروس القرآن الكريم.
وهي أيضًا منزل عظيم، ومعرض واسع لبيع الرسائل التي هي صناديقُ مجوهراتِ الخزينة القرآنية المقدسة، فكلُّ طالب يعرض ما أخذه من الجواهر النفيسة على الزبائن الكرام.
فبارك اللّٰه فيكم يا أخي خسرو، فلقد جمَّلتم ذلك المنزل أي تجميل.
سعيد النورسي
❀ ❀ ❀
[كنت أبحث عن نور]
(كنت أبحث عن نور)
هذه الفقرة للعقيد المرحوم السيد عاصم
إن هذه الرسائل المباركة المسماة بـ”الكلمات” لا تقدَّر بثمن، فهي نابعة من موازين القرآن الكريم وبراهينه، فلقد كنتُ أبحث عن نورٍ مثلِ هذا منذ مدة مديدة، فللّٰه الحمد والمنة أن أنعم عليّ هذه “الكلمات”، إن قلمي ولساني عاجزان عن التعبير عمّا يُكِنُّه قلبي.
عاصم
❀ ❀ ❀
[صفة الدلّال]
(صفة الدلّال)
فقرة لصبري
نعم، ينبغي الاعتراف بهذه الحقيقة:
إن خزينة المجوهرات مهما كانت مليئة وغنية ونفيسة، لا بد أن يكون دلَّالُها والبائعُ لها على معرفة بأصول البيع والشراء؛ إذ لو لم تكن له تلك القابلية أو المعرفة فإن ما يملكه من الخزائن الثمينة وما فيها من الأمتعة القيمة تُحجَب عن أنظار الناس، أي لا يكون قد أدّى ما يستحقها من قدر.
وبناء على هذا، فإن الذي يقوم بعرض الحقائق القرآنية للناس كافة عرضًا خالصًا للّٰه، ويدعو إليها منذ أربعين سنة -وليس منذ ست سنوات- وفي خضم هذه الظروف المضطربة وهو يقرأ على أهل الإسلام الأمرَ الرباني الجليل:﴿يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم﴾، وينادي منذ ذلك الوقت بهذا النداء العُلوي، قد جعل الأمة المحمدية في موضع شكران عظيم للّٰه، بما قدم من أنوار إيمانية إلى المحتاجين إليها.
صبري
❀ ❀ ❀
[الذيل الثالث: رسالة إلى طبيب]
الذيل الثالث
للمكتوب السابع والعشرين
فقرة لسعيد
بسم اللّٰه الرّحمن الرّحيم
(رسالة إلى طبيبٍ اشتاق كثيرًا إلى رسائل النور من جراء صحوة روحية انبعثت فيه لكثرة مطالعته لها، ورغم أن علاقة هذه الرسالة واهية بهذا الذيل، ولكن.. لتكن لي فقرة بين فقرات إخوتي)
مرحبًا بك أيها الصديق الحميم، ويا عزيزي الطبيب السعيد الذي اهتدى إلى تشخيص مرضه..
إن الصحوة الروحية التي تُبيِّنها رسالتُكم الخالصة، لجديرة بأن تُهنّأ وتُبارَك.
يا أخي.. اعلم أن الحياة أثمن شيء في عالم الموجودات، وأن ما يَخدُم الحياةَ هو أرقى واجبٍ من بين الواجبات كلها، وأن السعي لصرف الحياة الفانية إلى حياة باقية هو أغلى وظيفة بين الوظائف الحياتية.
واعلم أن خلاصة قيمة هذه الحياة، وزبدتَها وأهميتها البالغة هي في كونها نواةً للحياة الخالدة ومنشأ لها، حتى إنّ تصور خلافِ هذا، أي حصر الهمّ والعلم في هذه الحياة الفانية، هو إفساد أيّ إفساد للحياة الأبدية، وليس ذلك إلّا جنونًا وبلاهة كمن يستبدل برقًا خاطفًا بشمس سرمدية.
إن الأطباء الغافلين عن الآخرة، والمنغمسين في أوحال المادية هم -في نظر الحقيقة- أسقمُ الناس وأشدُّهم مرضًا، ولكن إذا ما تمكّن هؤلاء من تناول العلاج الإيماني من صيدلية القرآن المقدسة وأخذوا جرعات من مضادات السموم فيها، فإنهم يضمدون جراحاتهم البشرية، ويداوون مرضهم، فضلًا عن أنهم يكونون السبب في مداواة جراح البشرية كلها.
نسأل اللّٰه تعالى أن تكون صحوتُك الروحية هذه بلسمًا شافيًا لجرحك أنت، ومثالًا حيًّا، وقدوةً طيبة، أمام أنظار الأطباء الآخرين ودواء لمرضهم.
ولا يخفى عليك ما لإدخال السلوان في قلب مريض يائس قانطٍ من نور الأمل من أهمية، فقد يكون أجدى له من ألف دواء وعلاج، بَيْدَ أن الطبيب الغارق في مستنقع المادية والطبيعة الجاسية يزيد اليأس الأليم لهؤلاء المساكين حتى يجعل الحياة كلها أمامهم مظلمة مُحْلَولكة.. ولكن صحوتك هذه ستجعلك -بإذن اللّٰه- مناط سلوان ومدارَ تسلٍّ لأولئك المساكين وأمثالهم، وتجعل منك طبيبًا حقًّا يشع نورًا إلى القلوب وينثر البهجة في النفوس.
من المعلوم أن العمر قصير جدًّا، والوظائفَ المطلوبة كثيرة جدًّا، فالواجبات أكثر من الأوقات، فإذا تحرّيتَ ما في دماغك من معلومات، مثلما فعلتُه أنا، ستجد بينها ما لا فائدة له ولا أهمية من معلومات تافهة شبيهة بركام الحطب.. لقد قمتُ أنا بهذا الضرب من البحث والتفتيش، فوجدت شيئًا كثيرًا مما لا فائدة له ولا أهمية.
نعم، إنه لا بد من البحث عن علاج وعن وسيلة للوصول إلى جعل تلك المعلومات العلمية والمعارف الفلسفية مفيدةً نافعة، منورةً مضيئة، حية نابضة، تتدفق بالرواء والعطاء.
تَضَرّع أنت كذلك يا أخي وَادْعُ الحكيمَ الجليل أن يرزقك صحوةً روحية تُخلّص تفكيرك وتزكّيه لأجله سبحانه، وتُضرمُ النارَ في أكوام بقايا الحطب تلك، لكي تتنور وتتحول -تلك المعارفُ العلمية التي لا طائل وراءها- إلى معارف إلهية نفيسة غالية.
صديقي الذكي..
إن القلب ليَرغب كثيرًا في أن يندفع إلى الميدان أشخاصٌ من أمثال “خلوصي” ممن هم من أهل العلم والشوق اللهيف إلى الأنوار الإيمانية والأسرار القرآنية.
ولما كانت “الكلمات” تستطيع أن تخاطب وجدانك، فلا تحسبْها رسالة خاصة مني إليك، بل كلُّ “كلمة” من كلماتها أيضًا رسالة موجهة إليك من داعٍ إلى القرآن الكريم، والدالِّ عليه، وخذها وصفةً طبية صادرة من صيدلية القرآن الحكيم، فإنك بهذا ستفتح -بظهر الغيب- مجلسًا واسعًا كريمًا، وجلسة مباركة حاضرة.
هذا وأنت حرٌّ في أن تكتب الرسائل إليّ متى شئت، ولكن أرجو ألّا تتضايق من عدم ردي عليها بجواب، ذلك لأني قد اعتدت -من سالف الأيام- على عدم كتابة الرسائل إلّا قليلًا جدًّا، حتى إنني لم أكتب إلى شقيقي -منذ ثلاث سنوات- سوى جوابٍ واحدٍ على الرغم من كثرة رسائله إليّ.
سعيد النورسي
❀ ❀ ❀
[الرسائل أغرقتنا في بحر النور]
(الرسائل أغرقتنا في بحر النور)
فقرة لخسرو
أستاذي المحترم المحب..
لقد نوّرَتْنا رسالتُكم ماديًّا ومعنويًّا، ورفعتْنا إلى ما لا يُطال إليه من الفيوضات، وأغرقتْنا في بحر النور، فأحمد اللّٰه ربي بما لا يتناهى من الحمد على نَيلنا لهذا الشرف العظيم بوساطتكم، وعلى ما بشّرتمونا بالتوفيق في الأيام الآتية لما يترتب عليه من خدمة القرآن العظيم.
إنني أدعو لكم يا أستاذي، بأن يرزقكم اللّٰه بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
أستاذي المحترم..
لقد تذكرتكم كثيرًا، إلّا أن الخونة المارقين يحولون بيننا وبين الوصول إليكم في كل جانب، وهذا يؤلمني جدًّا، إن أحوالنا الحاضرة تعصر قلوبنا بالأسى، ولكن لا حول لنا ولا قوة إلّا باللّٰه.
أيُّما إنسانٍ وصلتْ إليه رسائل النور المفاضة بالأنوار يرتبط بها ارتباطًا وثيقًا، لذا فهي جوّالة بين المشتاقين الذين هم أهلٌ لها.
﴿والحمد للّٰه.. هذا من فضل ربي﴾
خسرو
❀ ❀ ❀
[الرسائل بددت الغفلة]
(الرسائل بددت الغفلة)
أيها الأستاذ المحترم..
إن رسالتكم المؤلفة بفيض من القرآن الكريم، وكأنها مرآة لأنواره، تكفي دلالةً على مدى علوّكم أستاذًا جليلًا، فلقد بدّدتْ أيها الأستاذ العزيز هذه الرسائلُ الظلماتِ المخيّمةَ على الإسلام، وهتكت أستار الغفلة عن اللّٰه المسدلة على الناس، وأبرزت بفضله سبحانه حقائق ساطعة براقة من تحت تلك الأستار الملطخة الملوثة.
فعزمُكم الذي لا يلين، وصلابتُكم التي لا تنثني، وسعيكم المتواصل.. لم تَبق بإذن اللّٰه دون ثمرات؛ فلقد فجّرتم يا أستاذي المحترم ينبوعًا دفاقًا بماء الحياة في قلب الأناضول8إنه إن كانت لي حصة واحدة من الألف التي تتصورونها من الثواب والشرف الحاصل في العمل ضمن هذه الخدمة السامية، فإني أشكر اللّٰه تعالى على تلك الحصة الواحدة، أما أهل الفضل فهم أولاء من أمثالكم ممن يعاونونني في الخدمة ويسعون للقيام بها بأقلامهم الألماسية. (المؤلف).
فمنبع تلك الرسائل وكنزها الدائم إنما هو بحر القرآن الحكيم، ستديم لكم تلك المؤلفات القيمة حياتَكم وتخلّد اسمكم عندما ترحلون من هذه الدار -دار الامتحان- إلى عوالم السعادة، فطوبى لأولئك السعداء البررة، طلابك الذين تحبهم، والذين يُقدِّرون ما فجرتموه من نبع فياض حقَّ قدره، ويَذبُّون عنه بالإعلام عنه وتلقين أحكامه بألوف أرواحهم إن استوجب الأمر، فقَرَّ عينًا يا أستاذي العزيز، إن هؤلاء البررة لن يقوموا بأعمال لا تنشرح لها في الآخرة.
إن طلابكم شاكرون لفضلكم، ممتنون بكل مهجهم وأرواحهم لما أودعتموه لديهم من مفاتيح كثيرة للأسرار القرآنية.
نعم، إن الأنوار والفيوضات التي تنشرونها وتنثرونها اليوم تجعل الناس الحقيقيين في سرور غامر؛ إذ تعلّمهم خطوات العمل لوظائفهم الأساس على الأرض.
إن سعيكم مشكور، وخدماتكم مقبولة بإذن اللّٰه، وتضحيتكم جسيمة.
أستاذي العزيز.. لتُنشَر أعمالكم الجليلة، ولتبلغ آفاق السماوات، ولتنطق بها الألسن9إنني لا أشارك أخي هذا في دوافعه الحسية ومشاعره هذه، فحسبنا رضا اللّٰه، إذ إن كان معنا فكل شيء معنا إذن، وإلا فلا تغني الدنيا كلها شيئًا، إن إعجاب الناس واستحسانهم في مثل هذه الأعمال -أي في الأعمال الأخروية- إن كان علة فإنه يبطل العمل، ولكن إن كان مرجِّحًا فإنه يُفسد إخلاصَ العمل، وإن كان مشوِّقًا فإنه يزيل صفوة العمل ونقاءَه، ولكن إن تفضّل سبحانه به وأحسن إليه، علامةً على القبول بلا طلب، فهو مقبول وشيء حسن إن استُعمل في سبيل بيان تأثير ذلك العمل والعلم في الناس، ويشير إلى هذا قوله تعالى: ﴿واجعل لي لسان صدقٍ في الآخرين﴾. (المؤلف).
إن الأعمال الدنيوية التي لم تَلق حظًّا من الدين، والتي بدأت بالانتشار في الأوساط عامة، والتي تزيد عتامةَ الغفلة للغافلين وتزيد سُكرَهم -بل هي السُّكْرُ بعينه- لا يمكن دفعها إلا بمؤلّفاتكم القيمة، وإرشاداتكم القويمة، فلقد ثبتت بدلائل معقولة ومنطقية أنه لن ترقى الدول الملحدة إلى مستوى الإنسانية بل لا يمكنها أن تدركها وهي ما زالت كذلك، حتى تؤول إلى الخراب أو الانهيار.
إن مؤلفاتكم القيمة عالية رفيعة وجامعة، تنعكس فيها صفات روحكم السامية.
أستاذي الحبيب..
اطمئِنوا اطمئنانًا تامًا أن سعيكم مشكور ولم يذهب هباءً منثورًا، وسوف تتلقف الأيدي العديدة رسائلَكم إلى الأبد، وستُوقِف ملحدي اليوم عند حدّهم، بل ربما تمنحهم نور الإيمان، أليس هذا ما ترجونه؟ أليس عملكم وغايتكم تنحصر في بلوغ إيقاظ الناس وإرشادهم إلى الإيمان؟
إن الأدباء المتربين على فتات موائد الفلاسفة، أولئك المحرومون من الأدب، سيجدون حتمًا الأدبَ الحقيقي في رسائلكم، نعم، وسيتحقق هذا فعلًا، وأنتم بدوركم تكونون قد وفّيتم خدمة الإيمان الجليلة حقَّ الإيفاء؛ إن هذه الأمة وهذا الوطن مدينةً لكم إلى الأبد، وتَعجز أن توفي حقكم، إن ثواب خدماتكم السامية لا تقابلها هذه الأمة، بل سيمنحها اللّٰه سبحانه ما يليق بها، ليرضَ اللّٰه في الدنيا والآخرة عنكم، وعن أمثالنا من الخدام المذنبين.
زكي
صديق المرحوم لطفي الطالب القديم لرسائل النور
❀ ❀ ❀