الشعاعات

الشعاع الرابع عشر‌ [4/4]: دفاعات طلاب النور في محكمة أفيون

[هذا الشعاع يتضمن الدفاعات التي أدلى بها الأستاذ النورسي في جلسات محاكمته بمحكمة أفيون، وكان ذلك في عامَي 1948 – 1949، كما يتضمن دفاعات طلاب النور كذلك، والرسائل التي بعث بها الأستاذ النورسي إليهم]

[هذا القسم هو الجزء الرابع والأخير من الشعاع الرابع عشر، وهو يتضمن رسائل بَعَث بها الأستاذ النورسي إلى طلابه حين كانوا جميعًا في سجن أفيون]

تأليف: بديع الزمان سعيد النورسي

 ترجمة: إحسان قاسم الصالحي

أجل، إنني طالب من طلاب النور.. أقول هذا وأعلنه بكل سرور وقناعة، لأن إنكار هذا الأمر يتناقض تمامًا مع دروس الفضيلة التي لقنتني إياها رسائل النور، لذا فلست مستعدًا لاقتراف هذا الجرم، إن الشخص الذي يقرأ رسائل النور على الدوام لا يمكن أن يخفي قراءته هذه، بل على العكس من ذلك فإنه يفتخر بهذه ويعلنها دون تردد أو خشية، ذلك لأن رسائل النور لا تحتوي على أية جملة بل على أية كلمة توجب الخشية أو التردد.
أجل، إنني طالب من طلاب النور.. أقول هذا وأعلنه بكل سرور وقناعة، لأن إنكار هذا الأمر يتناقض تمامًا مع دروس الفضيلة التي لقنتني إياها رسائل النور، لذا فلست مستعدًا لاقتراف هذا الجرم، إن الشخص الذي يقرأ رسائل النور على الدوام لا يمكن أن يخفي قراءته هذه، بل على العكس من ذلك فإنه يفتخر بهذه ويعلنها دون تردد أو خشية، ذلك لأن رسائل النور لا تحتوي على أية جملة بل على أية كلمة توجب الخشية أو التردد.

[الشعاع الرابع عشر 4/4]

[دفاعات طلاب النور]

[تقدمة للأستاذ النورسي]

دفاع طلاب النور

هذه دفاعات رفعها طلاب رسائل النور في محكمة أفيون سنة ١٩٤٨، فقد حوكموا أولًا وأشيع عن أحكام الإعدام لبث الخوف في النفوس، إلّا أنها انتهت بإعادة الرسائل.‌

إن العلاقات الخاصة الصافية التي تربط طلاب النور بالرسائل وبمترجمها (أي الأستاذ)، والتي لا يرجون منها إلّا الثواب في الآخرة.. أقول: إن الذين يحاولون أن يَصِموا هذه العلاقة الخالصة بأنها علاقات دنيوية أو سياسية، بُغْيَةَ إدانة الطلاب أمام المحاكم، بعيدون كل البعد عن الحقيقة والعدالة، فضلًا عن أن اتفاق ثلاث محاكم على تبرئة ساحتهم من تلك التهمة تَبهتهم.

زد على هذا نقول: إنه لا يمكن إلصاق تهمة الانتماء إلى التنظيمات والجمعيات السياسية إلى طلاب النور إلّا بأمرين:

الأول: إنكار الروابط الأساس التي تُبنى عليها الحياةُ الاجتماعية الإنسانية، ولا سيما الأمة الإسلامية، وهي المَحبة الصادقة بين الأقارب، والعلاقة الوثيقة بين القبائل والطوائف، والأخوة المعاوِنة معنويًّا ضمن المِلِّية الإسلامية، والآصرة القوية المتسمة بالتضحية والفداء مع أبناء جنسه وقومه، والرابطة التي لا تنفصم، والالتزام التام بحقائق القرآن وناشريها، تلك التي تنقذ حياته الأبدية، وأمثالها من الروابط التي تَشُد أبناء المجتمع وتحقق الحياة الاجتماعية السليمة.

الثاني: بقبول الخطر الأحمر القادم من الشمال الذي ينشر بذور الفوضى والإرهاب، والذي يُفني وشائج النسل والقوم فيقطع روابط الأبوة والبنوة مزيلًا علاقات القرابة والقوم، ويفتح الطريق إلى إفساد الحضارة البشرية والمجتمع الإنساني إفسادًا كليًّا.

وبهذين الأمرين وحدهما يمكن إلصاق تهمة الانتماء إلى الجمعيات والتنظيمات إلى طلاب النور، ولأجل هذا يُظهر طلاب النور -دون تردد- علاقاتِهم التي لا تتزعزع بحقائق القرآن، وبإخوتهم الآخرة، فيبينون حقيقة حالهم أمام محكمتكم العادلة، من دون أن يتنازلوا إلى الدفاع عن أنفسهم بالحيَل والأكاذيب والتملق.

الموقوف

سعيد النورسي

❀   ❀   ❀

[دفاع خسرو]

دفاع “خسرو”

إلى محكمة “أفيون” للجنايات الكبرى:‌

لقد وجَّه المدعي العام تهمتين لي: إحداهما: اتهام عام وكلي، والأخرى: اتهام خاص.

الاتهام العام: هو سعيي في سبيل رسائل النور، واشتراكي في الجرم الموهوم المسنَد إلى أستاذي.

أما الاتهام الخاص فهو حول أمور شخصية وخاصة بحياتي التي تتسم بطابع الانزواء، ولا تُشكل في الحقيقة أيَّ ذنب أو جرم، لأنها مسائل جزئية ولا أهمية لها.

وأنا أقول ردًّا على اتهام مقام الادعاء حول اشتراكي في الجرم الموهوم لأستاذي وحول بذلي الخدمات في سبيل رسائل النور:

إنني أشترك في مسلك أستاذي، بل أشترك معه وأساعده بكل روحي وقلبي في الجرم الموهوم المسنَد إليه في موضوع رسائل النور التي تؤدي خدمات مقدسة للعالم الإسلامي، ولا سيما لهذا الوطن ولهذه الأمة، وسأظل أحمد اللّٰه تعالى وأشكره حتى آخر عمري لتوفيقه إياي لهذه الخدمة الإيمانية.

هيئةَ المحكمة الموقرة..

إنّ أَبْلغ دليلٍ للنجاح الذي رأيناه جراء خدمتنا لرسائل النور هو أنه بينما كان خطي في كتابة حروف القرآن رديئًا جدًا، إلّا أنه قد تحسن تحسنًا يفوق قدرتي وإمكانياتي، حيث استطعتُ كتابة ثلاث نسخٍ رائعةٍ لا مثيل لها من القرآن الكريم، إحداها بين أيديكم.

الدليل الثاني: هو أنني وُفّقت إلى كتابةِ ما يقارب ستمائة رسالة من رسائل النور التي حَققتْ منافعَ كبيرة جدًّا لهذا الوطن، ولهذه الأمة، وللدين وللأخلاق الحسنة منذ عشرين عامًا؛ حتى إن أصدقائي يعلمون بأنني وُفِّقت إلى كتابة أربع عشرة رسالة في مدة قصيرة بلغتْ شهرًا واحدًا.

وأنا أرى أنه من الفضول القيامُ بالدفاع عن النقاط التي تَوهّمها مقامُ الادعاء جُرمًا لي في خدمتي لأستاذي وهو يؤدي مهمته المقدسة، لأنني أصادق وأوافق بكل ما أملك من قوة على كل ما جاء في الدفاع الذي كتبه أستاذي وفي تتمة دفاعه، وأعُدّه دفاعًا لي، وأقدمه إلى محكمتكم السامية على هذا الأساس.

هيئةَ المحكمة الموقرة..

إن أستاذي -الموجود حاليًّا في محكمتكم- بمؤلفاته المباركة حول الإيمان وحقائق القرآن، وبرسائله النورانية، لم يَقصد أيةَ بغيةٍ دنيويةٍ ولا أي قصدٍ سياسي، فأنا وأصدقائي -إذ نؤيد أستاذنا ونبارك له خدماته المقدسة التي قدمها لهذا الوطن ولهذه الأمة- فإننا نقول بأنه حتى الوطنيين في حكومة “الاتحاد والترقي” أيدوا هذا، فنراهم يخصصون تسعة عشر آلاف ليرة ذهبية لأجل تمكينه من بناء مدرسته المسماة “مدرسة الزهراء” في مدينة “وان”، وقد أعجب حتى محبو الوطن بوطنية أستاذنا وبحميته الملية وبخدماته العلمية وأيدوها، لذا نرى أن مائة وستين نائبًا من مجموع مائتي نائب يوقعون بالموافقة على تخصيص مائة وخمسين ألف ليرة لدار الفنون (الجامعة).

إنني أود أن أعرض على محكمتكم الموقرة وأن أعلن بأنني فخور جدًّا بالخدمة التي أديتُها لرسائل النور، بكوني مستنسِخًا لها طوال عشرين عامًا، هذه الخدمة التي عدّها مقامُ الادعاء جُرمًا وذنبًا لي، ذلك لأن أستاذي -بارك اللّٰه فيه- عَمِل طوال حياته لأداء خدمة مقدسة أراد فيها وضع اللبنات لسعادة هذا الوطن وهذه الأمة، وهذا هو السبب في أن أكثر حسّاده وأعدائه ضراوةً، والذين كانوا يسعون لإدانته في المحاكم، لم يستطيعوا التعرض لكلماته الشديدة والمؤثرة، ولم يكن أمامهم سوى التسليم بما يقول.

الموقوف

خسرو آلتن باشاق

❀   ❀   ❀

[دفاع طاهري]

دفاع “طاهري”

إلى محكمة “أفيون” للجنايات الكبرى..

لقد تم تبليغي من قِبَل مقام الادعاء العام لمحكمة “أفيون” بأن التهمة الموجهة لي ولأستاذي “بديع الزمان سعيد النورسي” ولأصدقائي الآخرين هي استغلال الشعور الديني لتحريض الشعب للإخلال بأمن الدولة، وأن هذا هو سبب تقديمي للمحكمة.

لقد أجبت عن جميع الأسئلة التي وُجّهت إليّ (سواء في محكمة صلح “إسبارطة” أم في دائرة التحقيق في “أفيون”) إجاباتٍ صحيحة.

ولقد قامت محكمة “دنيزلي” بإعادة جميع كتبنا المصادَرة وذلك بعد أن أصدرت قرارها بتبرئتنا، ولم تعاقبنا؛ لأننا -مع إخوتنا الآخرين من طلبة أستاذي “بديع الزمان”- كنا نقرأ ونستنسخ رسائل النور ونتراسل بيننا، مع أنني قمت قبل ست سنوات -ودون إذنٍ من أستاذي- بطبع خمسمائة نسخةٍ من رسالة “الشعاع السابع” لبديع الزمان في مطبعة في “إسطنبول” بالأحرف القديمة، فقد قامت محكمة “دنيزلي” بقرارها المؤرخ في ٢٠/٧/١٩٤٥ بإعادة جميع هذه الكتب بصناديقها إلينا، وعند ذلك تم توزيع هذه الرسائل -مقابل ثمن طبعها- على طلاب النور الذين كانوا في شوق إليها.

وهكذا، واستنادًا إلى الحُكم الذي اكتسب صورةً قطعية بقرار التمييز الذي صدر عن هذه المحكمة الموقرة، فقد قمت قبل سنتين بجلب الأوراق وجهاز الاستنساخ (الرونيو) من “إسطنبول” إلى “إسبارطة”.

وقد قام أخي “خسرو آلتن باشاق” بكتابة مجموعتين من المجموعات الثلاثة الموجودة بين أيديكم، أما المجموعة الثالثة فقد قمت أنا بكتابتها.. قمنا أولًا بطبع مجموعة “ذو الفقار” و”المعجزات القرآنية” و”المعجزات الأحمدية”، وبعنا بعضها واشترينا من هذا المبلغ الأوراقَ اللازمة لمجموعة “عصا موسى” وتم طبعها، ثم اشترينا الأوراق لمجموعة “سراج النور” وطبعناها، وقد استغرق هذا مدة سنة واحدة؛ وعندما قمت بنقل ثلاثين مجموعة إلى “أكريدر” قبضوا عليَّ وسلَّموني إلى الجهات العدلية في “أكريدر”، ولم تمض مدة طويلة حتى دُوهِم بيت “خسرو آلتن باشاق” من قِبَل الجهات العدلية لمدينة “إسبارطة”، حيث صودر جهاز “الرونيو” ومجموعاتُ رسائل النور وقُدّمنا إلى المحكمة قبل سنة، وفي النتيجة أُصدر علينا (خسرو وأنا وصديق آخر معنا) الحُكمُ بالحبس لمدة شهر واحد لقيامنا دون إذن رسمي بطبع كتب دينية غير ممنوعة، فقمنا بتمييز هذا القرار، وقبل أن تَظهر نتيجةُ التمييز جيءَ بي إلى سجن “أفيون”.

وهكذا يراد في محكمتكم الموقرة إيقاعُ العقوبة بي لأنني قدمت هذه الخدمة لديني ولإخواني في الدين، وذلك للمسائل الواردة في رسالة “الشعاع الخامس” -التي كانت المحكمة قد أعادتها لنا- والتي تحتوي على شرح لبعض الأحاديث الشريفة، كما أن المدعي العام لمحكمة “أفيون” اتهمني واتهم مؤلف الرسالة و”خسرو آلتن باشاق” مع ستة وأربعين طالبًا من طلاب النور بالإخلال بأمن البلاد، وبكتابة هذه الرسائل وقراءتها مُطالِبًا بإيقاع العقوبة بنا.

وكمواطن حقيقي في هذا الوطن فإنني سأتكلم في حضوركم دون أن أحيد عن الحقيقة وأقول:

إنني طالب منذ عدة سنوات لأستاذي “سعيد النورسي” الذي أكنّ له احترامًا كبيرًا، فقد ربَّانا برسائله وهذَّب أخلاقنا الدينية ورقَّاها، ومع أننا ننظر إليه بصفة “مجدد” إلّا أنه يرفض هذا ويردّنا.

وأنا أشهد عن يقين بأنه لا توجد عنده ولا في رسائله ولا عند طلابه أية محاولة للقيام بإخلال أمن البلاد، ولا سيما أن أحد الاتهامات الموجهة إلينا كان بخصوص أثمان الكتب، وعندما اطلعتْ محكمة “إسبارطة” على الحقيقة في هذا الخصوص عن قرب لم تُصدِر بحقنا أيةَ عقوبة، ذلك لأننا لا نحتاج في معيشتنا إلى أثمان هذه الكتب أبدًا ولا نعتاش عليها، ونحب أن نقول لمحكمتكم الموقرة بأنها مقابل أثمان جهاز الاستنساخ “الرونيو” وأثمان الورق والحبر.

إن جهودنا هذه وخدمتنا النابعة من نيات صافية وفي سبيل اللّٰه تعالى لا يمكن أن تُشكِّل ذنبًا أو جُرمًا، لذا نطلب من محكمتكم الموقرة ومن ضمائركم الحية إعادة رسائل النور إلينا.

الموقوف

طاهري

❀   ❀   ❀

[دفاع زبير]

دفاع “زبير”

هيئةَ محكمة “أفيون” للجنايات الكبرى..‌

إنني متهم بتهمة تشكيل جمعية سرية وبالإخلال بأمن الدولة، ولأنكم سوف تقتنعون بما سأعرضه عليكم أدناه اقتناعًا كاملًا بأنني لم أقترف مثل هذا الجرم فإنني أردُّ هذه التهمة منذ الآن.

أجل، إنني طالب من طلاب النور.. أقول هذا وأعلنه بكل سرور وقناعة، لأن إنكار هذا الأمر يتناقض تمامًا مع دروس الفضيلة التي لقنتني إياها رسائل النور، لذا فلست مستعدًا لاقتراف هذا الجرم، إن الشخص الذي يقرأ رسائل النور على الدوام لا يمكن أن يخفي قراءته هذه، بل على العكس من ذلك فإنه يفتخر بهذه ويعلنها دون تردد أو خشية، ذلك لأن رسائل النور لا تحتوي على أية جملة بل على أية كلمة توجب الخشية أو التردد.

كنت قد حاولت بيان قيمة رسائل النور في كراسةٍ تتألف من أربعين إلى خمسين صفحة.. لا أقول بأنني مدحتها.. ذلك لأنني لست قادرًا على إيفاء جزء صغير من رسائل النور حقَّها، فكيف بكل هذه الرسائل؟

ذلك لأنَّ هذه الرسائل تفسير حقيقي للقرآن الكريم الذي هو عقل الكون وشمسه التي نورتْ وأضاءتْ طريق البشرية وهَدَتْها وأرشدتْها منذ ما يزيد على ألف وثلاثمائة سنة.

وكما ذكرت، فإن وجدتم موضعًا -أيًّا كان- حول الجمعية السرية في المؤلفات التي حاولتُ بيانَ قيمتها، يمكنكم إيقاع العقوبة بي لكوني آنذاك مروِّجًا لمؤلفات ضارة، ولكن رسائل النور هذه التي أُلّفت بشكل رائع وغير مسبوق، والتي حازت على رضى الشخصيات العلمية وتأييدهم، والتي تملك قدرةَ إصلاح مجتمع فاسد وتملك قابليةَ إرشادِ إنسانِ القرن العشرين وإنقاذه من الضلالة ومن المادية ومن الإلحاد ومن عبادة الطبيعة ومن حياة السفاهة ومن ظلمة الأفكار الدامسة التي تفضي إليها هذه المادية، وتفتح الرسائل بفيض من القرآن الحكيم ونور منه أبوابَ السعادة الأبدية والسلامةِ الأبدية للبشرية.. فإذا لم يكن في كليات رسائل النور أيّ موضوع يؤيد التُهم المسنَدة إليها، فإن صدور أي عقاب ضدي يعد تناقضًا مع أسس العدالة، وهذا -حسب قناعتنا- هو ما ستراه محكمتكم وستَقبله.

لقد قيل في أثناء استجوابي: يُقال إنك من طلبة رسائل النور؟

أقول: إنني لا أجد في نفسي لياقة لكي أكون طالبًا لأستاذ عبقري مثل “بديع الزمان سعيد النورسي”، فإن قَبِل هو هذا فإنني سأقول بكل فخر: أجل إنني من طلاب رسائل النور.

كثيرًا ما تعرَّض مؤلف رسائل النور -أستاذي الذي لا مثيل له “بديع الزمان سعيد النورسي”- إلى افتراءات من قِبل أعدائه الخفيين وسِيق إلى المحاكم، ولكنه بُرّئ من قِبل جميع هذه المحاكم، وقد قامت هيئةٌ مؤلَّفة من الأساتذة ومن علماء الإسلام بتدقيق كل سطر بعناية في المجموعة الكاملة لرسائل النور، واعترفوا في تقاريرهم بأن هذه الرسائل مؤلفة عن علم كبير، وأنها تفسير حقيقي للقرآن الحكيم.. فإذا كانت هذه هي الحقيقة فلماذا يُساق إلى المحكمة مرة أخرى؟ سأقول لكم قناعتي التامة حول هذا الأمر:

إن الذين يقرؤون رسائل النور، ولا سيما من الشباب الواعي يكتسبون إيمانًا قويًّا، فيصبح متدينًا تدينًا لا يهتز ولا يتوانى عن أية تضحية، ويكون مُحبًَّا لوطنه، وعندما يوجد إيمان صلد في أي موضع كان فلا يكون هناك مجال للسفاهة وللسقوط الأخلاقي الذي يكون نتيجة طبيعية لبعض الأيديولوجيات الضارة، وكلما زاد عدد المتسلحين بهذا الإيمان القوي ضاق المجال أمام توسع الماسونية والشيوعية.

إن رسائل النور تقوم -استنادًا إلى آيات القرآن الكريم- بالبرهنة على مدى زَيف الفلسفة المادية التي يستند إليها الشيوعيون، وذلك ببراهين وحجج قوية وتبرهن مدى بُعدها عن الحق وعن الحقيقة ببراهين عقلية وفكرية ومنطقية، فتنير بذلك أذهان الذين سقطوا في ظلمة هذه الفكرة الفاسدة وتنقذهم، وتقوم بإثبات وجود اللّٰه للماديين الذين لا يؤمنون إلا بما يشاهدونه بأعينهم بأدلة قوية يستحيل إنكارها أو الاعتراض عليها.

إن هذه الرسائل تستقرئ نفسها على طلاب الثانوية وعلى طلاب الجامعة بما تتمتع به من أسلوبٍ أخاذ وأصيل ومن أدب راقٍ.

ولهذا فقد أدرك الشيوعيون والماسونيون أن رسائل النور تشكل عائقًا قويًّا أمام أفكارهم السامة، لذا فإنهم يتوسلون إلى مختلف الافتراءات والدسائس لكي يزيلوا رسائل النور ويمنعوا قراءتها، لأنها مستند قوي ومنبع ثرٌّ للإيمان لكونها تفسيرًا حقيقيًّا للقرآن الكريم؛ ومع أنه لم تظهر هناك أية أمارة على ما أسندوه إلى رسائل النور كذبًا، فإنهم مستمرون على هجومهم.

ويظهر من هذا أنهم يرومون إخافتنا وإبعادنا عن رسائل النور، ومن جهة أخرى كي يقدموا لنا كتبهم المسمومة، وهكذا يستطيعون محو الإيمان وإزالته من أُمتنا ومن شبابنا لكي يتم الانهيار الأخلاقي، فيضمنوا بذلك سقوط الحكومة سقوطًا ذاتيًّا ويسلموا وطننا وأمتنا إلى دولة أجنبية، فهذا هو أملُهم.

وأنا أودُّ أن أعلن في حضور محكمتكم بكل صراحة ودون أي تردد: ليعلمْ هؤلاء جيدًا، بل ليرتجفوا خوفًا، ذلك لأننا لن نخشى ألاعيبهم ولا نخشاهم، لأننا رأينا الحق والحقيقة وتَعَلمناها من رسائل النور وآمنا بها.

إن الشباب التركي يقظ غير نائم، وهذه الأمة التركية المسلمة لا يمكن أن تكون خاضعة تحت حُكم دولة أخرى.. إن الشباب المسلم الفدائي -استنادًا إلى قوة إيمانه اليقيني- لا يمكن أن يسمح ببيع وطنه.. إن الأمة التركية المتدينة البطلة والشباب التركي المؤمن لا يمكن أن يجبنا أو يخافا؛ لذا فإننا نقرأ رسائل النور وسنداوم على قراءتها لأنها تسمو بنا إلى أعلى مستوى من الخلق الإنساني وإلى أعلى مراتبها، ولأنها تعلّمنا -نحن الشباب- الدينَ الذي هو سبب رقيّنا في جميع المجالات، ولأنها تبث فينا محبةَ الوطن ومحبة الأمة وتربينا على القيم الدينية التي تجعلنا نضحي بكل ما نملك في سبيلهما.

وكما ذكرت سابقًا فإنني استفدت فائدة كبيرة من رسائل النور مع أنني قرأت جزءًا يسيرًا منها، ولو كنت أَملك ثروة لصرفتها في نشر المجموعة الكاملة لهذه الرسائل التي تُحقق فوائد كثيرة جدًّا للوطن وللأمة وللإنسانية جمعاء، ذلك لأنني على أتم استعداد للتضحية بكل ما أملك في سبيل ديني وفي سبيل السعادة الأبدية لوطني ولأمتي وفي سبيل سلامتهما.

كنت أحس بفراغ كبير في نفسي ، في روحي، وبينما كنت أبحث عن كتاب لأقرأه وجدت رسائل النور التي ما إن قرأتها حتى علمتُ بأنني لن أستطيع بَعدُ مفارقتَها، إذ أحسستُ بأنها هي التي تسدُّ هذه الحاجة القلبية لديَّ، لأنني وجدت فيها البراهين والأدلة العقلية والإيمانية المنقذة من الشبه العلمية والإيمانية، وتخلصتُ بذلك من القلق ومن الضيق الذي كانت الشبهاتُ تُحدثه وتولده فيّ، وأدركتُ من هذه الحقائق أن رسائل النور كُتِبَتْ لإنسان هذا العصر.

لكي يملك الإنسان المزايا السامية كالأدب الجَم والتربية الراقية فإن عليه أن يملك إيمانًا قويًّا، ولما كانت رسائل النور تَعرِض الحقائق الإيمانية بأدلة غاية في القوة وبأمثلة واضحة، فقد أحسست أن إيماني يقوى كلما قرأتها، وهذا أنقذني من السقوط في هوة الضلالة، وأنقذني من العدول عن ديني الجامع لكل جوانب الحق والحقيقة -وهما أُسسُ أرقى مدنية- وأنقذني من أن أكون لقمة سائغة يلتهمها الوحش الأحمر، لذا فهي تنقذ قراءها من كثير من المصائب المادية والمعنوية، وتعطي لهم عِلمًا يفوق العلم الذي يملكه خريج الجامعة، وتبث فيهم حُبَّ الإسلام وحُبَّ الوطن والأمة، وتعلمهم إطاعة اللّٰه والعمل الجاد والنشاط والرحمة؛ فأيما قارئ لها لا يتخلى عنها ولا يغادرها مهما كان الثمن، ولا يمكن إخراج مثل هذه المشاعر الخالصة نحو رسائل النور من احترام وتوقير من قلب أي شخص مهما كان.

توصَف رسائل النور من قبل مقام الادعاء العام بأنها مؤلفات ضارة؛ وأنا أَحتج بشدة على هذه الفرية التي لا يقول بها مَن كان له نصيب من ضمير ووجدان.

ويذكر الادعاء بأنني كنت أشجع على قراءة رسائل النور.. أجل.. هذا صحيح، ولكن قلوب جميع المثقفين دُميت من الافتراء الآخر، بل بكيت وصُرّتْ أسنانهم.

إن القرن العشرين هو القرن الذي تسود فيه الأفكار المدللة عليها بالبراهين، إذ لا يَلتفت أحد إلى أي شيء، ولا يمكن الإيمان بأي شيء دون دليل ودون برهان، لذا نطلب من مقام الادعاء إثباتَ أن رسائل النور كتب ضارة.

من بين المقاصد والغايات ما يشيعه الأعداءُ الخفيون من افتراءات هو كسر التساند والرابطة فيما بيننا، النابعة من مشاعر الحب والاحترام والتراحم للأخوّة التي تربط بين قراء رسائل النور، الذين ارتبطوا بروابط الإسلام من أجل خدمة القرآن فقط وليس من أجل أي هدف آخر.. إذا كانت هذه هي غايتهم فهم واهمون وعبثًا يحاولون.

وأنا -باعتباري أكثرَ قراء رسائل النور عامية وأقلَّهم فهمًا وفي الصفوف الخلفية منهم- أقول جوابًا لهؤلاء: لو كان أحدنا في الشرق والآخر في الغرب.. لو كان أحدنا في الشمال والآخر في الجنوب.. لو كان أحدنا في الآخرة والآخر في الدنيا.. فإننا جميعًا معًا، ولو اجتمعت قوى الكون لما استطاعت أن تُبعدنا عن أستاذنا “سعيد النورسي” ولا عن رسائل النور ولا أن تُفرق فيما بيننا.

ذلك لأننا نخدم القرآن، وسنظل نخدمه، ولأننا نؤمن بحقيقة الآخرة، فإنه ما من قوة تستطيع قلع هذه المحبة وهذا التساند المعنوي فيما بيننا، ذلك لأن المسلمين جميعًا سيجتمعون في دار السعادة الأبدية.

دعوني أذكر لكم -إن ســمحتم- الحقيقةَ المهمة التالية باســمِ أمنِ وسلامة وطننا وأمتنا:

إن من ضمن الخطط السرية للشيوعيين هو تحريض الشعب ضد الحكومة، بجانب التقارير المزيفة الكاذبة التي تقدم للمسؤولين في الحكومة لإيداع “بديع الزمان سعيد النورسي” في السجن وإظهار أن مؤلفاته ضارة، فإن هناك محاولاتٍ لترويج دعايات كاذبة لا يصدِّق بها أيُّ فرد من أفراد الشعب.

ولأنَّ هذه الأمة مقتنعة تمامًا ومنذ سنوات عديدة أن “بديع الزمان سعيد النورسي” عبقري نادر من عباقرة الإسلام في هذا العصر، وأن له شخصية فذة من جميع الأوجه، فإن من المستحيل على أية دعاية أن تقضي على هذه القناعة الصحيحة أو أن تفسدها.

إنني أحمد اللّٰه سبحانه وتعالى وأثني عليه بما يَسَّر لي بلطفه الاستفادة من مؤلفات أستاذ كبير، وأنا مَدينٌ من كل قلبي ومن كل كياني لهذا الأستاذ، حيث إنني أخذت دروسًا قيِّمة حول الإيمان وحول الإسلام، وأنا أتقبل بكل رحابة صدرٍ البقاءَ في السجن سنوات عديدة من أجل هذا الأستاذ الفاضل الذي قضى سنوات عديدة وشاقة وهو يكتب ويؤلِّف، لكي ينقذ شبابنا من أن يكونوا طُعمة للشيوعية وأن يكون السجنُ الانفرادي الأبدي مصيرَهم.

منذ عشرين عامًا تقوم رسائل النور -التي هي تفسير للقرآن الكريم- بإعطاء دروس الإيمان والإسلام والفضيلة إلى ملايين الأفراد، وتقيهم من الإلحاد، فلو حُكم عليَّ بالإعدام في سبيل هذه الرسائل لأسرعتُ إلى المشنقة وأنا أهتف: “اللّٰه.. اللّٰه.. يا رسول اللّٰه”.

إن رسائل النور التي تصون شبابنا من الوقوع في أحضان الشيوعية والخروجِ من دينه والسقوطِ في مهاوي البلايا والمصائب التي تؤدي به إلى خيانة الوطن التي لا عقاب لها إلّا الإعدام رميًا بالرصاص.. إنني مستعد أن يُحكم عليَّ بالإعدام رميًا بالرصاص من أجل رسائل النور هذه، وأَنْ أُبرِز صدري لتلك الرصاصات دون خوف أو تردد، ولو قطّعوني بالخناجر إربًا إربًا في سبيل أستاذي “بديع الزمان” لدعوت اللّٰه أن يجعل دمائي المتناثرة حوالي تكتب: “رسائل النور.. رسائل النور”.

هيئةَ المحكمة الموقرة..‌

إن قراءة رسائل النور وتحصيل العلم فيها شيء مبتكر وأصيل في الحقيقة ولا يوجد ما يشابهه؛ ذلك لأنَّ أي تحصيل علمي آخر تكون الغاية من الاستمرار فيه هي المنفعة المادية أو الحصول على موقع ما، أي إن الدوام لهذه الدروس لا تكون عن رغبة بل -في الغالب- للحصول على منافع مادية أو على شهرة، أما رسائل النور فتشبه جامعة حرة غير منظمة، والذين يداومون في هذه الجامعة بقراءة رسائل النور لا يبتغون أي هدف دنيوي، بل يبتغون خدمة الإيمان والقرآن فقط لا غير.

ومع هذا فإن رسائل النور التي هي مؤَلَّف علمي وإيماني جاد، تُقرأ بكل شوق وبكل لهفة، وتُقرأ بمتعة وسرور كبيرين، إلى درجة أن قرّاءها الصادقين يحسون برغبة لقراءتها مرات عديدة، وأن الذين استنسخوا رسائل النور وقرؤوها عندما سِيقُوا إلى المحاكم وأصبحت حياتهم في خطر، فإنهم اعترفوا بقراءتهم لها وبعزمهم على دوام قراءتها، ولو أيقنوا أن قرار الإعدام سيصدر بحقهم لَما تزحزحوا عن موقفهم الثابت هذا؛ وهذه الخاصية الموجودة في رسائل النور ضمن صفاتها الخارقة للعادة، لا بد أنها تجعلكم تتساءلون: أأرواحُ هؤلاء المعترفين رخيصة عليهم إلى هذا الحد؟!

إذن فهناك حقيقة سامية في رسائل النور وفي “بديع الزمان”، ولا بد من عدم وجود أمور ضارة في هذه المؤلفات، لأنهم لم ينكروا قراءتها.

إن طلاب المدارس يَدرسون دروسهم لوجود قوةٍ تفرض عليهم النظام والدراسة، أما “بديع الزمان” فلم يُجبِر أحدًا على قراءة رسائل النور، ولكن هناك مئات الآلاف من القراء أكثرهم لم يشاهدوه ولكنهم متعلقون به برابطة قوية لا تنفصم، وارتضَوا لأنفسهم أن يكونوا طلبة لرسائل النور وأن يتلقوا دروسهم عنها.

إن مثل هذا النظام الرائع وغير الاعتيادي للتدريس لم يشاهَد لا في التاريخ القديم ولا في التاريخ المعاصر ولم يُشاهَد في أية جامعة.

قال لي السيد المدعي: “إن الاحترام الذي تبديه نحو “بديع الزمان” لا تبديه نحو المفسرين الآخرين”.

وهذا صحيح.. فإن الاحترام والتوقير يتناسب مع درجة الكمال، والمنّة والشكر يتناسب مع مقدار الفائدة المستحصلة، فإنَّ عِظَم الفائدة المستحصلة من مؤلفات “بديع الزمان” لا نراه في غيرها.

إن الماسونيين والشيوعيين يحاولون أن لا نعرف وأن لا يَعرف شبابُنا خاصةً “بديعَ الزمان” الذي يُعَدُّ من أكبر المؤلفين والمفكرين المسلمين في القرن العشرين، ولكن الشباب التركي المسلم والأمة الإسلامية وشبابها الواعين عرفوا هذا الأستاذ الرائد واستفادوا منه وجعلوا غيرهم أيضًا يستفيدون منه.

وهذا هو السبب في أن الارتباط القوي نحو “بديع الزمان” والثقةَ به لا يمكن أن تهتز أو تنفصم.

ولكون رسائل النور تقوم بتفسير آيات القرآن الحكيم بمهارة فائقة وبلغتنا التركية دون أن تفقد هذه الآياتُ خصوصيتها التي تعد أكبر معجزة لها، فإن جميع طبقات الشعب رجالًا ونساءً، موظفين وأصحابَ حِرف، علماء وفلاسفة.. يستطيعون قراءتها والاستفادة منها؛ ومن جراء الفوائد التي يرونها فيها -كل حسب استعداده- يزداد تعلقهم بها، فالجميع يقرؤونها.. طلاب الثانوية وطلاب الجامعة وأساتذة الجامعة والفلاسفة، وفضلًا عن استفادة هذه الطبقة المثقفة فإنهم يتفقون ويُجمِعون على روعة بيان التأليف وأسلوبه في رسائل النور، فيزداد شوقهم لقراءة المجموعة الكاملة لهذه الرسائل.

إن جميع من تعرَّف حديثًا على “بديع الزمان” وعلى رسائل النور من أصحاب الإدراك السليم يأسَفون على عدم معرفتهم لها في السابق، ولكي يعوّضوا عن المدة التي فقدوها وتأخروا فيها، نراهم يستغلون الفرص المناسبة -وإن كانت خمس دقائق- ليقرؤوا رسائل النور باستمرار، ولمْ تُشاهَد مثل هذه الرغبة الشديدة ومثل هذا التعلق الشديد بمؤلفات أي عالم اجتماعي أو عالم نفسي أو فيلسوف، إذ لا يستفيد من هؤلاء سوى الأشخاص المتعلمين، فعندما يطالِع طالب في مدرسة متوسطة، أو امرأةٌ تعرف القراءة كتابًا لفيلسوف ما، فإنهم قد لا يستفيدون منه، ولكن الجميع -كل حسب قابلياته- يستفيدون من رسائل النور.

لذا فإن هناك أمة كاملة تنتظر بلهفة قراركم بتبرئة “بديع الزمان” و”طلاب النور”، ولو لم يقم “سعيد النورسي” بتلقين طلابه دروسًا في الصبر والتحمل لدى أوقات المحن والشدائد -مثلما جمع طلابه عندما كان قائدًا للحامية الفدائية في أثناء الحرب- فإن آلافًا من طلاب النور كانوا سيضربون خيامهم على تلول مدينة “أفيون” ينتظرون فيها قرار البراءة من محكمة الجنايات الكبرى في “أفيون”.

لم يستطع أحد حتى الآن إثباتَ أن نشاط “سعيد النورسي” ونشاط طلاب النور يدخل من الناحية القانونية في إطار نشاطِ جمعية سرية؛ فلماذا لا يمكن إثبات ذلك؟!

أَفَيعجز شخصٌ يُعَدُّ رجلَ قانونٍ مختصٍّ ارتقى حتى وصل إلى مقام الادعاء العام عن إثبات ذلك قانونيًّا؟!

كلا.. إنه ليس عاجزًا عن ذلك أبدًا، ولكنْ نظرًا لعدم وجود تشكيلة لجمعية سرية، فإنه لا يكون بوسع أحدٍ أن يثبت وجود مثل هذه الجمعية.

لقد قال المدعي العام في البداية: “طلاب النور ليسوا جمعية”، فكان رأيه هذا وحُكمه صائبًا وضمن الإطار القانوني، ولكنه عاد بعد قليل -ولا أحد يدري لماذا- وقال: “إنهم جمعية”.. وهذا تناقض، ولا شك أنه رأيٌ له لا حُكم، ونحن على يقينٍ بأن هيئة المحكمة تدرك هذه الحقيقة إدراكًا تامًا وأنها ستقرر أنه “لا توجد جمعية سرية تؤلف بينهم”.

أيها الحكام المحترمون..‌

لو كان من عادة القلب أن تتقطع في موقف الحزن والأسى لكان من المفروض أن يتمزق القلب إلى عدد ذراته أسًى ولوعة أمام خبرٍ عن شاب سقط في هاوية الإلحاد.

وهكذا فإن قرار التبرئة الذي سيصدر عنكم سيكون وسيلة فعالة لإنقاذ شباب الإسلام والعالم الإسلامي من هذه الآفة الرهيبة، وهذا هو أحد الأسباب التي تربطني برباط لا ينفصم مع “بديع الزمان” ومع مؤلفاته.

إن القرار الذي ستصدرونه لتبرئة رسائل النور والسماح بتداولها سينقذ الشباب التركي والمسلمين من مصيبة الإلحاد، ذلك لأنَّ رسائل النور التي هي خزينة الحقائق السامية ستُعرف وستشتهر في يوم من الأيام في جميع أنحاء الدنيا دون شك، وعلى هذا الأساس فسوف تكونون محط تقدير الإنسانية جمعاء، وستكون الأجيال الحالية وأجيال المستقبل شاكرة لكم لقراركم بالبراءة، وستذكركم هذه الأجيال بكل تقدير كلما قرأتْ رسائلَ النور واستفادت من فيضها العظيم.

وعندما أقول لكم بكل إخلاص هذه الكلمات فأرجو أن لا يذهبن بكم الظن إلى أنني أنافق أو أتملق.. أبدًا ومطلقًا.. ذلك لأنني لا أخشى من أحد ولا أرهب أحدًا في المحكمة التي تحاكم “بديع الزمان”.

ولكني أرجو منكم أن تسمحوا لي ببيان قصير:

إن استمر المدعي في كيل هذه التهم الشنيعة بحق رسائل النور وبحق مؤلفها وقرائها مع أنها (رسائل النور) تُعَد علاجًا مؤثرًا ضد الشيوعية وضد الماسونية في هذا الوطن المبارك، وإذا لم يتخل عن اتهاماته الخاطئة تمامًا وسائر انفعالاته الشخصية وعواطفه الذاتية، فإنه يكون بذلك عونًا للماسونية وللشيوعية، وعونًا لترعرعهما وانتشارهما.

❀   ❀   ❀

[جزء من اللائحة المقدمة إلى محكمة التمييز‌]

جزء من اللائحة المقدمة إلى محكمة التمييز‌

إن رسائل النور تقوم -عن طريق البرهنة- بتقوية الإيمان المتضعضع للذين تؤثر فيهم شبهاتٌ تَبُثُّها منشوراتُ منظماتِ الإلحاد.

إن سرًّا دقيقًا من أسرارِ تعلقِ الشباب وتمسكِهم برسائل النور وكأنَّ بهم مَسًّا من كهرباء هو الآتي:

لقد قام “بديع الزمان سعيد النورسي” منذ سنواتٍ عديدة بإنكار ذاتٍ وتضحياتٍ لا مثيل لها وفي زمن شيخوخته ومرضه، (أي في مرحلة يحتاج فيها إلى الرعاية وإلى الاهتمام)، وبصبر وتحمل لا يوصَفان أمام جميع أنواع الاضطهاد والتعذيب من قِبَل أعدائه المتسترين من الماسونيين والشيوعيين ومن الذين انخدعوا بهم، وعَلِم بثاقب بصره وأدرك بملاحظته الواقعية المؤامراتِ المدهشةَ الخفية والدسائسَ المرعبة والخططَ المُحاكة ضد الإيمان، وعرف كيف يُحبط هذه الخططَ بمؤلفاته الإيمانية.

لكن أليس من المُحزن وأليس من المؤلم أن يقاسي هذا الرائدُ الإسلامي وهذه الشخصية الكبيرة الفذة من عذاب السجون منذ خمسة وعشرين عامًا، ومن الحبس الانفرادي التام، وأن يحاوَل القضاء عليه؟!

ولكن وإن قاسى مؤلف رسائل النور وعوقب نتيجةً للأوهام الناشئة من إهانات الشيوعيين ودسائسهم، فإن الإقبال المتزايد على قراءة رسائل النور بكل شوق سوف يدوم ويستمر.

إن أول دليل وأكبره هو أن الشباب الذي قرؤوا رسالة “عصا موسى” التي استُنسخت بالأحرف الجديدة، بدؤوا بتعلم القراءة بأحرف القرآن لكي يستطيعوا قراءة الرسائل الأخرى، وهكذا هدموا سدًّا كبيرًا وهو الجهل بخط القرآن الكريم، هذا الجهل الذي كان مانعًا وعائقًا أمام تعلم الكثير من العلوم؛ وفضلًا عن إجبارهم على قراءة كثير من الكتب التي كتبت لإبعاد الناس عن الدين والإيمان.

وحينما يقبل شباب أية أمة على القرآن وعلى العلوم التي تتنور منه، ويتجهز بهذه العلوم ويتسلح بها، فمعنى ذلك أن تلك الأمة بدأت تسير في طريق الرقي والتقدم.

إن الشباب الظامئة أرواحُهم إلى الإيمان وإلى الإسلام، قد بدؤوا بمَلء أرواحهم بفيوضات رسائل النور التي هي تفسير للقرآن الكريم، وبذلك فإن الشباب الذين سيملكون إيمانًا يقينيًّا، وعن علم سيجاهدون الإلحاد والشيوعية، ولن يسمحوا أبدًا ببيع أوطانهم إلى أعداء الإسلام.

لذلك فإنْ استطاع الشيوعيون أن يُفنوا ويقضوا على الورق وعلى الحبر، لقام شباب أمثالي أو شيوخ بفداء أنفسهم لأجل نشر رسائل النور التي هي خزانة الحقائق، حتى وإن اضطروا إلى أن يعملوا من جلودهم ورقًا ومن دمائهم حبرًا.

نعم، نعم، نعم.. ألفَ مرةٍ نعم.

يقول المدعي العام ضمن اتهاماته: “لقد قام “سعيد النورسي” بتسميم أفكار شباب الجامعة بمؤلفاته”، ونحن نقول ردًا على هذا:

“لو كانت رسائل النور سمًّا، فإننا في حاجة إلى أطنان من هذا السُّمّ، وإذا كان يعرف مكانًا يَكثُر فيه هذا السمّ فليرسله إلينا على جناح السرعة”.

وعندما نتعرض -نحن طلاب النور- إلى ظلم الظالمين ونحن نؤدي خدماتنا في سبيل الإيمان والإسلام، فإننا نفضِّل أن نسلم الروح في السجون وعلى أعواد المشانق وليس على فراش الراحة، لأننا نَعُدّ الموتَ ظلمًا في السجون -بسبب خدمتنا القرآنية- فضلًا إلهيًّا كبيرًا، ونفضل هذا الموت على العيش في حياةٍ ظاهرُها الحرية وباطنُها وحقيقتها استبداد مطلق.

الموقوف في سجن أفيون

زبير كوندوز آلب

من ولاية قونية

 

ملاحظة: بعد إرسال هذا الدفاع ولائحةِ الدفاع المقدمة إلى محكمة التمييز، أَرسلت رئاسةُ محكمة التمييز برقيةً طلبتْ فيها إطلاقَ سراح “زبير” من السجن فورًا.

❀   ❀   ❀

[دفاع مصطفى صونغور]

دفاع “مصطفى صونغور”

إلى محكمة للجنايات الكبرى..

طلَبَ مقامُ الادعاء إيقاع العقوبة بي أيضًا بتهمة انتسابي لجمعية النوريين وقيامي بتحريض الشعب ضد الحكومة.

أولًا: لا توجد جمعية باسم جمعية النوريين، ولست منتسبًا لأية جمعية من هذا القبيل. إنني منتسب إلى جمعية الإسلام المقدسة والعظيمة.. الجمعية الإلهية والنورانية التي تبشر الإنسانيةَ جمعاء بالسعادة الأبدية وبالسلامة الأبدية، والتي وضعها منذ أكثر من ألف وثلاثمائة وخمسين سنة فخرُ الكائنات محمد (ﷺ)، والتي لها ثلاثمائة وخمسين مليون منتسب في كل عصر؛ وقد عقدتُ العزم -بحمد اللّٰه- بكل قوتي على إطاعة أوامره المقدسة.

أما رسائل النور التي اعتبر المدعي تتلمذي عليها ذنبًا وجُرمًا، فقد علّمتْني وظائفي الدينيةَ والإيمانية.

وعلمتْني أن الإسلام أسمى وأقدسُ دينٍ، وأنه السبيل الوحيد لسعادة البشرية،

وعلمتْني أن القرآن هو الأمر الإلهي النازل من رب العالمين سبحانه وتعالى، الحاضرِ الناظر في كل مكان، وأن الوجود بأجمعه بدءًا من الذرات وانتهاءً بالنجوم وبالشموس هو تحت قدرته وتحت إدارته الأزلية.

وعلمتْني أن القرآن معجزة إلهية يحيط نظرُه بكل الحوادث منذ الأزل إلى الأبد، وأنه أسمى من جميع الكتب، وكتابٌ معجزٌ من أربعين وجهًا، وكلامٌ أزليٌّ يبشر البشرية جمعاء بالسعادة الأبدية، فيجعل المشتاقين إليه يشعرون بعظم المنة عليهم.

وأن الرسول (ﷺ) المرسَل من قِبَل رب العالمين كان بكل أحواله أكملَ الناس جميعًا وأصدقَهم وأسماهم في نواحي الكمال، وأنه قدم للناس جميعًا -بنور الإسلام- أكبر بُشرى وأقدسَ سلوان، وأنه أدار بسلطنته المعنوية خُمس نوع البشر منذ أربعة عشر قرنًا، ويُكتَب في دفتر حسناته جميعُ ما كسبتْه أمته من حسناتٍ منذ ألف وثلاثمائة ونيف من السنين، وأنه سببُ خلق الكائنات، وأنه حبيب اللّٰه.

وعلمتْني أن الآخرة والجنة وجهنم حق وحقيقة، وذلك ببراهينَ وحجج باهرة مستقاة من القرآن المعجز.

أما رسائل النور فإنها بكلماتها وجملها تشهد أنها فيض من نور القرآن الكريم ونور محمد (ﷺ)، وذلك بانتسابها للقرآن الكريم، وكونِها تفسيرًا خاصًا له، وبهذا الاعتبار فهي سماوية وعرشية.

وهكذا فإن رسائل النور -المتهمة بأنها تحرّض الناس ضد الحكومة- بكل أجزائها كـ”الكلمات” و”المكتوبات” و”اللمعات” و”الشعاعات” إنما تعطي دروسًا حول الحقائق الإلهية وحول الدساتير الإسلامية وحول الأسرار القرآنية.

فكيف إذن يُعدّ جُرمًا أو ذنبًا قراءةُ رسائل النور، وهي مؤلفاتٌ تعد في الذروة من ناحيةِ تدريسها وتلقينها للأخلاق الفاضلة والحقائق الإيمانية؟!

وهل يعد جُرمًا أو ذنبًا القيامُ باستنساخ هذه الرسائل التي تُهدي إلينا السعادة الأبدية، أو جَعْلُ أخ مؤمن يستفيد منها من الناحية الإيمانية؟!

أيعد هذا تحريضًا للناس ضد الحكومة؟!

وهل زيارة مؤلِّف مثل هذه الرسائل المباركة الذي بلغ الذروة في الإيمان وفي الأخلاق وفي الفضيلة، أو تكوينُ أخوّة في سبيل القرآن الكريم مع طلاب النور المجهّزين بالإيمان الراسخ وبالعقيدة التي لا تتزعزع، والذين أخذوا على أنفسهم حفظَ شرف الإسلام وحقائقِ القرآن في هذا العصر والذين لا هدف لهم سوى اكتساب رضى اللّٰه.. أيُعدّ هذا تشكيلَ جمعية؟

أيّ ضمير نقي وأي ضمير عادل يستطيع إصدار عقوبة على هذا؟

أيها الحكام المحترمون..‌

إن رسائل النور بجميع أجزائها -اعتبارًا من “الكلمات” و”اللمعات” وانتهاءً بـ”الشعاعات”- التي أقرَّ بها كبار العلماء، والتي تَهَب مرتبة إيمانية عالية وشوقًا إسلاميًّا كبيرًا لمن يقرؤها، ليست إلا تفسيرًا نورانيًّا للقرآن ذي البيان المعجز، وكل جزء من أجزائها شمس تزيل الأمراض المعنوية وتبدد الظلمات المعنوية.

أما أستاذنا مؤلفُ رسائل النور فقد أمضى حياته كلها في سبيل الإيمان وفي سبيل القرآن، وتحمَّلَ في هذا السبيل جميعَ أنواع الأذى والمصاعب، وحاول بنشره هذه الحقائق القرآنية في هذا العصر إنقاذَ أبناء هذا الوطن المبارك من الهجوم الشرس للشيوعية ولكل أنواع الإلحاد.

وإن الصفحة البيضاء لحياته الخالية من أي نقص تشهد بأنه موظف ومؤهل للقيام حاليًّا بهذه المهمة المقدسة، فهو -حاشاه- لم يُلَقِّنّا دروسًا غير أخلاقية، ولا دروسًا في فن التخريب، بل لقننا دروسًا في إنقاذ الإيمان، وهذا ربما يشكل أكبر غاية وأهم هدف للبشرية على سطح الأرض.

إن قيامه منذ ما يقرب من خمس وعشرين سنة بمحاولة إنقاذ إيمانِ مئاتِ الآلاف من الناس برسائل النور، ولا سيما من أمثالي من المساكين الذين لم نكن نعرف شيئًا عن الإسلام، وإعطاءنا دروسًا في الإيمان الذي هو السعادة القصوى والغاية من الحياة: يعد دون شك فضلًا إلهيًّا.

ونحن نقول للذين يَقلبون الحقائق، فينكرون قيامه بهذه الخدمة المقدسة، ويرونه خطرًا على الحياة الاجتماعية:

إنْ كان ذنبًا وجُرمًا قيامُه بإنقاذ الناس من آفات رهيبة كالتردي الأخلاقي والإلحاد وعدم الإيمان، وإرشادُ الناس إلى الإيمان وإلى السير في الطريق الذي رسمه اللّٰه تعالى، والدعوة إلى إطاعة أوامر الدين وإسعاد الناس بالسعادة الدائمية للإسلام.. إن كان هذا ذنبًا وجُرمًا فأنتم تستطيعون آنذاك القولَ بأنه ضار للحياة الاجتماعية، وإلّا فإن هذا الادعاء أكبر فرية، وهو جريمة لا تغتفر.

إن رسائل النور لا تستهدف الدنيا، بل تستهدف السعادة الأخروية الدائمة، وتستهدف نيل رضى اللّٰه الباقي الأزلي الرحيم ذي الجلال، الذي لا يشكل الحسنُ والجمال في الدنيا إلا ظِلًا خافتًا لجماله، ولا تشكّل لطائفُ الجنة جميعًا إلا لمعةً من محبته سبحانه.

فما دام مثلُ هذا الهدف الإلهي المقدس ومثل هذا الهدف السامي موجودًا، فإنني أبرِّئ رسائل النور وأنزهها ألف مرة من الوقوع في أمور سفلية ومحرمة تؤدي إلى نتيجة كتحريض الناس ضد الحكومة؛ ونحن نلوذ بحمى اللّٰه تعالى من شرور هؤلاء الذين لا يريدون منا أن نتعلم أمور ديننا ولا أن نخدم إيماننا، فيفترون علينا مثل هذه الافتراءات لكي يقضوا علينا.

أيها الحكام المحترمون..‌

لا يمكن أبدًا إطفاء نور رسائل النور.. وأكبر دليل على هذا هو أنه رغم المحاولات التي جرت منذ خمس وعشرين سنة للقضاء عليها، فإنها -على العكس من ذلك- انتشرت وسطعت أكثر، ذلك لأن صاحبها ومولاها هو اللّٰه ذو الجلال الذي بيده مقاليد كل شيء منذ الأزل إلى الأبد، ولأن حقائقها هي الحقائق القرآنية التي تَكفل اللّٰه تعالى بحفظها والعنايةِ بها، وستَبقى أنوارُها تتشعشع على الدوام إن شاء اللّٰه.

أيها الحكام المحترمون..‌

إنْ كان جُرمًا قراءةُ رسائل النور واستنساخُها التي تُعلّمنا الإيمانَ والإسلام بكل شوق وبكل حُب، والتي لا هدف لها سوى مرضاة اللّٰه تعالى، والتي هي تفسير نوراني للقرآن المعجز البيان في هذا العصر.. وإنْ كان إعطاء هذه الرسائل -المشتملة على الحقائق الإيمانية- إلى إخوة مؤمنين جُرمًا.. وإنْ كانت الرابطة الدينية والأخوّة الإسلامية التي تجمع المؤمنين في سبيل مرضاة اللّٰه وفي طريق القرآن والإيمان والتي تعد من الأوامر القدسية للدين.. إنْ كانت هذه الرابطة في نظركم تعتبر تشكيل جمعية، فإن من دواعي سعادتي أن أكون منتسبًا لمثل هذه الجمعية، وهي سعادة أكبر من جميع المكافآت ومن جميع الأوسمة، وإنني أحمد اللّٰه تعالى حمدًا لا حدّ له لِمَا مَنّ على مسكينٍ مثلي بفضله وبلطفه هذه السعادة الكبيرة عندما جعلني طالبًا من طلبة رسائل النور.

وليس لي في الختام سوى القول: ﴿حسبنا اللّٰه ونعم الوكيل﴾، ﴿حسبي اللّٰه لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم﴾.

المعلم

مصطفى صونغور

❀   ❀   ❀

[لائحة دفاع “مصطفى صونغور” في محكمة التمييز‌]

لائحة دفاع “مصطفى صونغور” في محكمة التمييز

١- لقد عدّت محكمة الجنايات الكبرى قيامي بقراءة رسائل النور واستنساخها وإعطاءها إلى أحد الإخوة المؤمنين المحتاجين ليستفيد منها، ذنبًا وجرمًا لأنني قمت -حسب الادعاء- بتحريض الشعب ضد الحكومة، علمًا بأنني سبق وأن قلتُ في دفاعي جوابًا على هذا الاتهام:

إن رسائل النور التي تعدونها تحرّض الناس ضد الحكومة ليست في الواقع إلا تفسيرًا حقيقيًّا للقرآن الكريم، فهي -بكل أجزائها- تعطي دروسًا في الحقائق الإيمانية، وتَهَبُ لكل من يقرؤها أو يستنسخها سعادة كبرى.

ولم يكن من هدفها أبدًا أمور دنيوية سافلة وفانية، كتحريض الناس ضد الحكومة، والتي هي من أعمال أصحاب الفتن وأعمال الساقطين، بل هدفها هو نيل رضى اللّٰه، وهو أسمى مرتبة للسعادة والحبور.

وإنني أفتخر لكوني خادمًا عاجزًا وطالبًا من طلاب رسائل النور التي أكسبتني عند قراءتها واستنساخها أحلى نعمة وأكبر فضيلة، وهي نعمة الإيمان وفضيلته.

ومع أنني ذكرت أن تتلمذي على رسائل النور يعد أكبر فضل إلهي، وأنني أحمد اللّٰه تعالى وأشكره شكرًا دائمًا إذ أحسن بي هذه النعمة التي أسبغها على شخص فقير ومسكين مثلي، ومع ذلك فقد تم إصدار حكم بعقوبتي، لأنهم عدّوا ارتباطي بالإيمان وبالإسلام جُرمًا دون أن يستندوا إلى أي قانون وإلى أي دليل، فخالَفوا الحق والحقيقة مخالفة تامة وصريحة.

٢- إنني أَشهد أنه عندما كنت أدرُس في معهد “كول كوي” في “قسطموني” فإن بعض المعلمين كانوا يلقنوننا دروسًا إلحادية ويقولون لنا: إن محمدًا (ﷺ) -حاشاه- هو الذي كتب القرآن الكريم، وأن الإسلام في حكم المَلْغيّ، وأن المدنية تسير في طريق التقدم، لذا فإن من الخطأ الكبير ومن الرجعية اتباع القرآن الكريم، حتى إن أحد المعلمين قال لنا في أحد الأيام:

“إن المسلمين يقضون حياتهم في ألم وفي عذاب دائم لأنهم يصلون ويذكرون الآخرة، وأن جوًا من الكآبة يسود جوامع الإسلام على الدوام، بينما يقضي النصارى حياتهم في نشوة دائمة وفي جو من الموسيقى واللهو”.

لقد كانوا يحاولون أن يقطعوا كل ما يربط بين قلوبنا وبين الإيمان والإسلام من روابط، وأن يُحِلّوا فيها بدلًا منهما الكفر والإلحاد.

وهكذا فبينما كنت محقونًا بمثل هذه الأفكار المسمومة، ومعرَّضًا لاغتيال إيماني بهذه الدروس الإلحادية الضارة إلى درجةِ أنني انسقتُ في تيار هذه الأفكار وبدأت أنشرها حوالي والعياذ باللّٰه، إذا بي أقرأ بعض رسائل النور التي تَستمد نورَها من القرآن الكريم والتي تَعرِض حقائقَ الإيمان وحقائق الإسلام ببراهين ساطعة وأدلة خارقة، وتبرهن على أن الدين الإسلامي كان دائمًا وسيلةً لسعادة الإنسان ولسلامته، وأنه شمس معنوية لن تنطفئ ولا يمكن إطفاء نورها، وإذا بهذه الرسائل تَطرد كل الأفكار المسمومة وتنشر في قلبي الإيمانَ، وفي ظل هذا الفرح الغامر والسعادة اللانهائية

عرضتُ حالي على الأستاذ “بديع الزمان” مؤلفِ هذه الرسائل والشخصِ المشفق الوفي والرائد الحقيقي، وكيف أنني نجوت من حياة الغفلة والضلالة ورسوت على شاطئ الإيمان والنور، وكيف أن رسائل النور التي تُكسِبنا الإيمان الحقيقي تُعَدّ شمسَ الهداية لجميع الناس في هذا العصر ووسيلة سعادة لهم، وأنه بقيامه بتأليف هذه الرسائل ووضعِ نفسه في مثل هذه المهمة المقدسة إنما يقوم بخدمة إيمانية عظمى، وأنه بذلك يُعدّ نعمة إلهية كبيرة للبشرية جمعاء ولا سيما لأهل الإيمان، وأعلنت له عن أسفي الشديد وعن ألمي البالغ وعن نفوري الشديد لما تقدم به بعض العصابات الخفية من أتباع “الدجال السفياني” من اعتداءات شنيعة على القرآن وعلى الإسلام، وكيف أنهم -كما ذكرت آنفًا- يزيّنون الإلحاد لأبناء هذه الأمة الإسلامية البطلة ويحاولون هدم الأسس الإسلامية الإلهية المقدسة التي ترتبط بها الملايين من الناس، ويسعون إلى هدم سعادتهم الأبدية؛ وأبديتُ له أسفي البالغ ونفوري الشديد من هؤلاء المجانين الذين يصفقون لهؤلاء المفسدين ويهللون لتخريباتهم الظالمة والدنيئة، وخاطبتُ أصدقائي في الدراسة الذين دَاخَلَهم الشك قائلًا:

هلموا لنتخلص من أهواء النفس هذه، ولنركع أمام حقائق القرآن، ولنُسرع إلى مدرسة النور المرشدة في هذا العصر إلى طريق السعادة، ولنترك أكاذيب هؤلاء السفهاء الكذابين.. هذه الأكاذيب التي سمعناها أشهرًا وسنين وصفقنا لها والتي قدموها لنا وكأنها هي الحقيقة نفسها، ولنجعل “بديع الزمان سعيد النورسي” أستاذًا لنا ونتمسك بدروسه بكل قلوبنا لكي نخرج من الظلمات إلى النور.

أليس هذا الخطاب نابعًا من الفرحة التي استمدها من إيمانه ومن حب القرآن والإسلام والتمسك والاعتصام بهما، ومن الحب الكبير الذي يُكنّه لأمته، ومن الرغبة في أن يكتسب كل شخص إيمانًا حقيقيًّا لكي ينال السعادة اللانهائية؟!

فهل الانتساب إلى اللّٰه والنظر إلى الإسلام كأسمى دين وكمنبع للفضيلة وبشارة للسعادة وإعلانُ ذلك يُعدّ جُرمًا؟

في هذا الزمان بدأ هجومٌ هدَّام ومدمر على الإسلام وعلى القرآن من جميع الجهات، وبدأت الافتراءات تُكال للقرآن وللنبي محمد (ﷺ) ومحاولة النيل من تلك الذات السامية الرفيعة، في حينِ تُسمح بالكتب التي تنفث سموم الإلحاد والانسلاخ من الدين والأخلاق، وتُكال المدح والثناء لشُقاة من أعداء للإسلام تافهين عصاةٍ للّٰه، وتُذْكَر أعمالهم غيرُ المشروعة المبتدعةُ بالإعجاب والتقدير، وتُهمَل سمو القرآن وعلوه ورفعةُ شأن الرسول الكريم (ﷺ) وأحقيتُهما.

علمًا أن رسائل النور تبين وجود اللّٰه تعالى، وتبين أن موجوداتِ هذا الكون بأجمعها تشهد على وحدانية خالقها، وأنه واجب الوجود، وأن الإنسان بما جهزه اللّٰه من عقل وفكر أفضلُ مرآةٍ لأسماء اللّٰه الحسنى، لذا يُعدُّ سلطانًا على سائر المخلوقات، ولو انتسب الإنسان إلى اللّٰه وصان نفسه من الضلالة ومن السفاهة ومن كبائر الآثام لاستحق مرتبةَ ضيفٍ كريم في أعلى عليين وتنعّم بنعيم الجنة الخالدة الأبدية، أما إن كَفَر بخالقه ووقع في الضلالة وفي الغفلة وأشرك به وعصاه فإنه يكون أضل من الحيوان، ويستحق مرتبة أسفل سافلين في عذاب خالد في جهنم؛ وأن القرآن كلام اللّٰه الذي لا تتغير أحكامه ولا تتبدل أوامره؛ وأن الإسلام يأخذ بأيدينا إلى أفضل مدنية، وأن السعادة الحقيقية والدائمة لا يمكن أن تتحقق للبشرية إلّا باتباع أوامر القرآن والانتساب إليه..

هذه هي الأمور التي أوضحتْها رسائلُ النور وبرهنتْ عليها بشكل قاطع، ومن هنا تَستمِد رسائلُ النور مكانتَها السامية، لأنها تقتبِس من معجزات القرآن ومن النور الإلهي.. فهل الإيمان بهذا ونشرُه والإعلانُ عنه يُعدّ جُرمًا؟!

والغريب أن قراءة الروايات والأساطير التي تُكتب لإلهاب الشهوات الفانية غير المشروعة ونشرَ الكتب التي تضر بسلامة الأمة وسلامة الوطن، والتي تهاجم الإسلام، ومن ثم مدح هذه الكتب وتقريظها والثناء عليها.. كل هذا مسموح به ولا يعد ذنبًا، ولكن قيامنا بقراءةِ واستنساخ رسائل النور التي تُعرِّفنا بشمس الإسلام -التي اهتدت بها مئاتُ الملايين من الناس ووجدتْ فيها السعادةَ الحقيقية- وتدعو إليها وتُعرّفنا بها وتبشر بالحقائق الإيمانية، ومدح هذه الرسائل والثناء عليها -مع أننا عاجزون عن إيفاء حقها من الثناء- يعدّ ذنبًا وجُرمًا!!

فهل هناك إنسان يحمل في قلبه ذرة من الإيمان وذرة من الحرص على سلامة هذا البلد وهذه الأمةِ يستطيع أن يعد هذا ذنبًا؟!

حكامَ الجزاء المحترمين..‌

إن هذه الدعوى المعروضة على مقامكم الرفيع هي في الحقيقة دعوى الإيمان والقرآن، ودعوى السعادة الأبدية والخلاص لملايين الناس.

إن جميع الأنبياء والرسل عليهم السلام وعلى رأسهم رسولنا الأكرم (ﷺ)، وجميع الأولياء وأهل الحقيقة وجميع أجدادنا المؤمنين الذين رحلوا إلى الدار الآخرة لهم علاقة من الناحية المعنوية بهذه الدعوى العظيمة، وأنتم اليوم تملكون في أيديكم فرصةَ اكتسابِ محبةِ أولئك الملايين من أهل الحقيقة ودعاءِهم وشفاعتهم.

وإن الحقيقة السامية المسماة برسائل النور أمامكم، فهل المراتب والمقامات الدنيوية الفانية والسفلية هي غايتها؟ أم إن غايتها هي نيل رضى اللّٰه تعالى الذي هو السعادة العظمى والفرحة الكبرى والهناء التي ما بعدها هناء؟ أَوَ تحفز كلماتها الإنسان إلى الأخلاق الرديئة والهابطة أم تجهزهم بالإيمان وتجملّهم بالفضيلة وبالأخلاق السامية؟

أنتم تجدون رسائل النور أمامكم، وهي منبثقة من الإعجاز المعنوي للقرآن المبين الذي هو نور إلهي، فما دام اكتسابُ الإيمان، والانتقال بهذا الإيمان في الدنيا إلى سعادة الدار الآخرة أهمَّ غاية للإنسان، وما دامت رسائل النور تقدم -بفيض من القرآن- الحقائقَ الإيمانية وتقرّب مئاتِ الآلاف من قرائها ومستنسخيها إلى هذا الهدف، فلا مناص أمام عدالتكم السامية وحُبِّكم للحقيقة إلّا فهمُ الوجه القرآني، والوجهِ الحقيقي لرسائل النور وتقديرُ قيمتها الحقيقية، ومعرفةُ أن طلاب النور لا يَسْعون إلا لنيل رضى اللّٰه تعالى وأنه لا هدف لهم سواه.

حكامَ الجزاء المحترمين..‌

إن أستاذنا العزيز “بديع الزمان” الذي ارتقى إلى أعلى مرتبة للفضيلة وللأخلاق الكريمة، يحاول بكل ما يملك من شفقة ورحمة وحنان إنقاذ الإنسان من الظلام الفكري الدامس ومن السجن الأبدي، وهو الذي تَحمَّل جميعَ صنوف الألم والعذاب في سبيل المهمة الملقاة على عاتقه لنشر الحقائق القرآنية.. أستاذُنا هذا يُرمَى في السجون دون وجه حقٍ وخلافًا للعدالة مع كونه مريضًا وشيخًا كبيرًا ووحيدًا دون أهل، مع أن غايته تنحصر فقط في إنقاذ إيمان الناس بما يملكه من علم كبير وذكاء خارق وإيمان رفيع وعبودية كبيرة. وإن قلب الإنسان لَيتفطر ألمًا مما قاساه هذا الشيخ المبارك المحب لخير الإنسانية في سجن “أفيون” من البرد القارس ومن الآلام الكبيرة والمضايقات العديدة مع أنه في الخامسة والسبعين من العمر، لذا فإننا ننتظر من عدالتكم السامية المرتبطة بالحقائق ومن حُبكم وتعلقكم بحب الإنسانية تجليَ الشفقة والرحمة للعدالة.

مصطفى صونغور

❀   ❀   ❀

[دفاع محمد فيضي]

دفاع “محمد فيضي”

إلى محكمة “أفيون” للجنايات الكبرى:‌

لقد عدَّ المدعي العام كوني سكرتيرًا لأستاذي “سعيد النورسي” ومتعلقًا تعلقًا شديدًا به وبرسائل النور وقيامي بخدمة كبيرة في هذا المجال.. لقد عدّ ذلك تهمة تستوجب مساءلتي.

وأنا أقول إزاء هذا بأنني أَقبل هذه التهمة بكل ما أوتيت من قوة وأنني أفتخر بها، ذلك لأنني فُطرتُ على حب العلم والشوق إليه؛ والدليلُ على ذلك أنه عندما قاموا بتفتيش منـزلي في حادثة “دنيزلي” وجدوا فيه خمسمائة وثمانين من الكتب العلمية والعربية وسجلوها رسميًّا، ومع أنني شخص فقير وفي مقتبل العمر، ومعرفتي باللغة العربية لا تزال ناقصة، فإن عشقي للعلم ورغبتي الشديدة في التعلم هي التي دفعتني إلى اقتناء هذه الكتب المتنوعة التي لا توجد عند واحدٍ بالألف من الناس.

فطرتي العلميةُ هذه كانت تدفعني للبحث عن أستاذ وعن مرشد حقيقي، وحمدًا للّٰه حمدًا لانهاية له، إذ دلني على بُغيَتي عن قرب، فيما كنت أحسبه بعيدًا.. أجل إن حياة أستاذي “سعيد النورسي” تشهد أنَّ غايته الوحيدة هي الشوق العلمي واستحصال العلوم الإسلامية، وقد تأكدتُ من مشاهدتي ومن قراءتي لتاريخ حياته -وهو كتاب مطبوع- ومن المعلومات التي استقيتُها من طلابه القدماء أن رغبتي الفطرية في العلم موجودة لدى أستاذي بشكل خارق للعادة، إلى درجة أنه ما زال يحتفظ بصفة طالب العلم -خلافًا لجميع العلماء المتخرجين من المدارس الإسلامية القديمة- مما جعله قادرًا على تحمل جميع البلايا والمصائب.

ولأن أهل السياسة لم يفهموا الأحوال العجيبة لأستاذي؛ فقد سعوا لربط هذه الأحوال بنوع من السياسة التي لا علاقة له بها، حتى إنهم ألقوه في غياهب السجون، ولكن اللّٰه تعالى جعل هذا العشق العلمي الموجود لديه مفتاحًا للحقائق القرآنية، فظهرتْ رسائلُ النور التي أذهلت جميع العلماء والفلاسفة.

في هذه الأثناء وجدتُ أستاذي في مدينة “قسطموني” بجانبي، أنا الذي كنت أبحث عنه طوال حياتي بما فُطرتُ عليه من حب العلم، وأنا أَعدُّ هذا إحسانًا إلهيًّا سأظل أشكر اللّٰه تعالى عليه حتى آخر عمري؛ ولكي يحتفظ أستاذي بعزة العلم ومكانته فإنه لا يَقبل -ولم يكن يقبل في السابق أيضًا- الصدقاتِ والهدايا وما شابههما، ويمنع طلابه من ذلك أيضًا، ولم يُحنِ رأسه لأحد، ومن أوضاعه غير الاعتيادية أنه لم يرض في الحرب وهو في الخط الأمامي من جبهة القتال الدخولَ إلى الخندق حفاظًا على العزة العلمية، وأنه وقف أمام ثلاثة من القواد المرعبين1المقصود: القائد خورشيد باشا في المحكمة، والقائد الروسي نيقولا نيقولافيج، ومصطفى كمال. موقف الأستاذ المحافظ على عزته العلمية دون أن يبالي بغضبهم، بل أسكتهم.

ولما كنت أعلم أن أستاذي هذا حافظ على شرف هذه الأمة وهذا الوطنِ وعلى شرف علماء الأمة التركية وضحى في سبيل ذلك بكل شيء فقد قبلته أستاذًا حقيقيًّا لي، ولو افترضنا فرضًا محالًا وقلنا: إن له مائة نقيصة، لكان علينا أن ننظر نظرة التسامح إليها، وألا نعترض عليه.

ولقد قدّره الوطنيون -باسم الوطن وباسم الأمة- في عهد المشروطية، وكذلك الحال في العهد الجمهوري، ومثال تقديرهم لخدمات الأستاذ الجليلة للعلم هو: قيام حكومةِ الاتحاد والترقي بتخصيص تسعة عشر ألف ليرة ذهبية لمدرسة أستاذي “مدرسة الزهراء” في مدينة “وان” والتي أرادها أن تكون نظيرة “الأزهر”، ومع أن أساسها أُرسي إلّا أنّ بدء الحرب العالمية الأولى أدى إلى تأجيل بنائها، وقبل أربع وعشرين سنة قامت الحكومة الجمهورية -بعد موافقةِ وتأييدِ مائة وستين نائبًا- بتخصيص مائة وخمسين ألف ليرة لبناء دار فنون الأستاذ (مدرسة الزهراء).

وقيامُ هذا الأستاذ الكريم وحده بمحاولة إنشاء جامعة كجامعة الأزهر التي تعاون في إنشائها آلاف العلماء، واقترابُه جدًّا من تحقيق هذا الهدف، يحتِّم على جميع الوطنيين وعلى جميع محبي الأمة مع جميع علماء الدين تقدير هذا الأستاذ والثناء عليه، ولأننا قد ظفرنا بمثل هذا الأستاذ، فنحن مستعدون لتحمل جميع المشاق والمصاعب.

إنني أكنّ لعلّامة الزمان هذا أخلصَ آيات التقدير والاحترام، لأنه استطاع بفيوضاته العلمية وبحقائق آثاره السامية التي تناهز المائة والثلاثين كتابًا مساعدتي في المضي في طريق العلم والإيمان، وسأظل أحمل له هذا التقدير إلى الأبد إن شاء اللّٰه.

ومع أن التحريات استمرت لمدة أشهر لإثبات التهمة الموجهة إليّ من قبل الادعاء العام حول “استغلال الدين والمشاعر الدينية لغرض إنشاء جمعية سرية مخلة بأمن الدولة”، إلّا أن هذه التحقيقات لم تسفر عن شيء، ذلك لأن مثل هذه الجمعية لا وجود لها، ولا توجد لنا أية علاقة بأية جمعية.

إن علاقتنا الوحيدة هي مع رسائل النور التي دخلت في امتحان صعب في مواجهة قوانين الحكومة الجمهورية، ولكنها حصلت على البراءة من قبل المحاكم ذات الصلاحية، وعلى الاحترام والتوقير من قبل الهيئات المتخصصة، وهذه العلاقة لا تعدّ خيانة للوطن وللأمة، بل هي علاقة علمية نافعة للوطن وللأُمة، ولا يوجد أي هدف وأية نيَّة أخرى خارج هذا.

وبناءً على ذلك، ولكون موضوعِ براءتنا وإخلاصنا ظاهرًا تمامًا، فإننا نطالب محكمتكم العادلة السامية بإصدار قرار براءتنا مثلما فعلت محكمة “دنيزلي” فتَحقق بذلك تجلي العدالةِ.

محمد فيضي باموقجي

الموقوف في سجن أفيون

من قسطموني

❀   ❀   ❀

[دفاع أحمد فيضي]

دفاع “أحمد فيضي”

إلى محكمة “أفيون” للجنايات الكبرى..

أيها الحكام المحترمون..

أليس من حق المؤمن ومن واجبه الالتقاءُ بعالم ديني وقراءةُ كتبه المتعلقة بحقائق الدين واستنساخُ هذه الكتب والإسراعُ إلى نجدة إخوانه في الدين في سبيل خدمة دينه وقرآنه ورسوله (ﷺ)؟!

وهل هناك أية مادة قانونية تمنعنا من أداء هذه الخدمة الدينية؟!

وهل يُعَدُّ ذنبًا قيام بعض الجهات بنقد التيارات الكافرة والتيارات غير الأخلاقية؟!

نحن طبقة متدينة من الشعب لا شائبة فيها، ولا علاقة لها مع السياسة ولا مع إدارة الدولة.

إنّ حملَ حُسنِ ظنٍّ تجاهَ شخصٍ ما وتقديرَه يُعدّ قناعة شخصية، ونحن نعتقد بأن “بديع الزمان” أكبر عالم ديني في زماننا هذا، ونراه رجل حقٍّ وحقيقة، قام بإيضاح حقائق الدين دون أي نفاق أو تملق لأحد.

أما إطلاقنا عليه صفة “المجاهد” فنابعٌ من خدماته الدينية ودفاعه ضد التيارات الهدامة للإيمان والأخلاق التي تهدد بلدنا مستندًا في ذلك إلى الحقائق القرآنية الراسخة.

وليس بمقدورِ أحدٍ أن يؤاخذنا على قناعاتنا الوجدانية، ونحن في بلد يسمح بحرية العقيدة، لذا فنحن غير مضطرين إلى إعطاء الحساب لأحد.

أما بخصوص موضوع الأشخاص الذين سيظهرون في آخر الزمان حسب ما ورد في الحديث النبوي فأقول:

إننا لم نخترع هذه المواضيع من عندنا، ذلك لأنها موجودة في الدين؛ فالرسول (ﷺ) يقول في بعض أحاديثه بأن عمر الأمة المحمدية لن تزيد كثيرًا عن الألف وخمسمائة سنة2إشارة إلى الحديث النبوي (إني لأرجو أن لا تعجز أمتي عند ربها أن يؤخرهم نصف يوم)..

وهذه الأحاديث تصف كثيرًا من الحوادث التاريخية المهمة في حياة الأمة المحمدية وفي حياة الدنيا بأسرها، وذلك تحت عنوان: “علامات القيامة”، وهي تنبِّه الأمة المحمدية وتحذرها من شرورها، وتقول بأن الذين يقعون في هذه الشرور عن غفلة أو عن جهل سيقعون في الشقاوة وفي الهلاك الأبدي؛ وهناك أدلة دينية لا حدّ لها حول هذه الأمور.

نحن أناس آمنا باللّٰه وبرسوله وبالقرآن، إذن فاستنادًا إلى هذا الإيمان واستنادًا إلى صدق الرسول (ﷺ) أفلا نعمل على خلاص أنفسنا من الهلاك الأبدي؟!

أفلا نبصر ما يجري حوالينا؟!

ألا نشرح هذا استنادًا إلى الحقائق الدينية ونتساءل: “هل جاء هذا الزمان الخطر؟!

أنحن هذا الجيلُ المشرفُ على هذه المهالك والمخاطر؟ أنتجاهل البراهين الساطعة الموجودة أمامنا، ونتجاهل الحقائق الثابتة والحقائق العلمية التي تُثبت لنا الوجود الإلهي، ونترك ديننا وننساق وراء التيار الذي يَعد الإلحاد من أكبر أركان المدنية الأوروبية؟!

وإنْ فعلنا ذلك فمن ينقذنا من الهلاك الأبدي؟ أنتجاهل هذا ولا نفكر فيه؟ أيمكن لمن يعتقد بأنه لا يوجد شيء فوق القرآن وفوق الحقائق القرآنية أن يرمي بنفسه إلى الهلاك الأبدي خوفًا من عقوبات فانية؟ وهل يمكن أن يهتم ببعض القيم الفانية؟ وهل يتخلى عن وظيفته في إيفاء الخدمة للّٰه ولرسوله ولدينه؟!

هذه هي في الحقيقة العواملُ الحقيقية التي تربطنا بـ”بديع الزمان”، فهل هناك منبع ديني آخر نُزيل به عطشَ أرواحنا إلى حاجتها الأزلية؟”

يوصينا المدعي العام المحترم بقراءة الكتب العربية والعلمية التي تزخر بها المكتبات والتي لا تتماشى مع روح عصرنا الحالي، وقد لا يعجب المدعي العام المحترم -ومن يفكرون مثله- بالخزينة العلمية المتمثلة بمجموعة رسائل النور وبالحقائق العالية والسامية التي تحويها هذه الرسائل.. قد لا تعجبه هذه الرسائل وقد ينتقدها، وهذا شيء راجع إليه، وهو حُرٌّ في ذلك، ولكنه لا يستطيع التدخل في حُبنا أو تفضيلنا لهذا الكتاب أو ذاك، فنحن نحب رسائل النور ونرى أنها كتاب دين حقيقي لا نفاق فيه، وأنها تفسير للقرآن الكريم.. إن مقاييس التفضيل والترجيح مسألة تقدير وجداني وقلبي لا يستطيع أحد أن يتدخل فيه.

أجل، إننا نعتقد بأن مؤلف رسائل النور يعطي درس الحقيقة نفسها، وأن إنكار المدعي العام لهذا وعدم قبوله لا يُضعف اعتقادنا هذا ولا يهزه، ونحن لا نتقبل رسائل النور من أجل كرامتها الكونية، بل من أجل ظهور الكرامة العلمية الكاملة التي تتحدى الأوساط العلمية في دروس النور، ومع أن تحصيل مؤلفها العلمي لم يتجاوز ثلاثة أشهر، فإنه يفيض علمًا وينشر هذا العلم، وهو يستخدم في خوارق علمه وفي أكثر المسائل العلمية تعقيدًا منطقًا عاليًا حيَّر أكبر المفكرين وأذهلهم، ويستخدم أسلوبًا جذابًا رائعًا ومشوقًا فياضًا بالحرارة نابضًا بالعشق وبالعواطف الجياشة، وذلك بلغةٍ تَعلّمها بعد منتصف عمره، حتى لتبدو كتاباته وكأنها بحر إيمان وخزينة توحيد ومحيط حكمة، فهل تستطيعون أن تَدلّونا على بديع زمان ثانٍ؟

أنتم تستكثرون علينا أن نَعد تمثالَ الفضيلة هذا أستاذًا لنا، وهو الذي لم يلتفت إلى بريقِ جميع الظواهر الفانية، ولم يسمح لنفسه التنـزلَ إلى أية منافع مهما كبرت، ولا إلى الأمور التي تُلوث الإنسان مهما كانت نداءاتُ هذه الأمور قوية، ولم ينتظر أو يتوسل من أحد شيئًا، ولم يقبل ما عُرض عليه، وأعطى أفضلَ مثال للعفة وللنـزاهة، وصبر على جميع أنواع المكاره والمضايقات، ونذر نفسه لإظهار الحقيقة وإظهار الأنوار القرآنية والمعارف المحمدية.

أما أمام آلام البلد والأمة فقد كان قلبه الرحيم يبكي ألمًا وشفقة، وعلى الرغم من كل أنواع الغدر والإهانة التي تَعرّض لها فإنه لم يتخل عن إيفاء وظيفته لإسعاد مَنْ حواليه؛ فعلى الرغم من شيخوخته ومن بؤسه فإنه بذل جهودًا مضنية وناضل بكل قوة في سبيل اللّٰه تعالى لإنقاذ الناس من غيابة الجهل ومن لجة الإلحاد؛ وفي هذا الوقت الذي ضاعت فيه المقاييس الأخلاقية فإننا نراه -بجانب كرامته العلمية المذكورة أعلاه- مثالًا للتضحية والإيثار، ومثالًا للاستقامة وللنـزاهة، وأنموذجًا يحتذى للكمال ومحرابًا للفضيلة.. أَتَرون هذا إفراطًا منا؟

إذن فإن هذه هي نظرتنا نحو “بديع الزمان” ونحو مؤلفاته، فهل ارتباطنا به الناشئ عن إيماننا، وهل اشتراكُنا مع آيات القرآن الكريم ومع الأحاديث النبوية الشريفة في تقبيح الكفر والانحدار الأخلاقي يجعلنا ملوثين بأوضار السياسة الفانية؟

وهل يمكن إطلاق صفة الإفساد على أعمالِ إصلاحِ نفوسٍ بريئة لِقِسْم من أبناء هذا البلد الذين لم يتيسر لهم منذ خمسة وعشرين عامًا تعلُّمُ حقائق الدين؟ وهل إنقاذهم من الهلاك الأبدي وإبلاغهم عن اللّٰه وعن رسوله (ﷺ) وعن القرآن إفساد لهم؟

أيها الحكام المحترمون..‌

نحن لسنا أرباب السياسة أبدًا، لأننا نرى أن السياسة تَحمِل آلاف البلايا والمخاطر والمسؤوليات لأمثالنا ممن هم خارج مسلك السياسة؛ ونحن أصلًا لا نُعير أيّ اهتمام بالمظاهر الفانية، لأننا لا ننظر إلى الدنيا إلّا من وجهها الخيِّر المؤدي إلى رضى اللّٰه، لذا فإننا نعترض بشدة على اتهامنا بالجري وراء السياسة ومعارضة الدولة، ولو كان هذا هو قصدنا وهدفنا إذن لكانت هناك أقل ظاهرة وعلامة على هذا في ظرف هذه السنوات البالغة خمسًا وعشرين سنة.

أجل، نحن نحمل صفة معارضة، ولكنها معارضة ضد السقوط الأخلاقي وضد الإلحاد، وهذه المعارضة ناشئة عن اشتراكنا -بالضرورة- مع القرآن الكريم في شدة توبيخه وصرامة بيانه في هذه المواضيع.

فإذا لم يكن بياننا للأسباب الموجبة التي شرحناها والنابعة عن الإخلاص وعن النية الصافية وعن الحقيقة كافيًا لإقناعكم، فأصدروا أيّ عقاب ترغبون فيه بحقنا، ولكن لا تنسوا أبدًا أن سيدنا عيسى عليه السلام الذي ينتسب إليه الآن ستمائة مليون نصراني قد حُكم عليه من قِبَل رجال الحُكم في ذلك العهد بالإعدام كأي لص عادي، مع أن قلبه كان يخفق لسعادة الإنسانية ولتبليغ الأمانة الملقاة على عاتقه.

إن كلامنا الحر هذا يدفعكم لإصدار عقوبة ضدنا، ولكننا سنستقبل هذه العقوبةَ وهذا الحُكمَ بكل فخر، وكل ما سنفعله هو أن نرفع يد الضراعة إلى قاضي الحاجات هاتفين: ﴿حسبنا اللّٰه ونعم الوكيل﴾.

أحمد فيضي قول

من ناحية أُورْتَاقْلَارْ

الموقوف في سجن أفيون

❀   ❀   ❀

[دفاع جيلان]

دفاع “جَيلان”

إلى محكمة أفيون” للجنايات الكبرى..

إن مقام الادعاء العام الذي استهول الأمر وجعل من الحَبَّة قُبَّة خصَّني بحصة كبيرة من التُهم المزعومة الموجهة إلى رسائل النور، وقدمني بصورةِ رجلٍ سياسي خطر ورجلِ تآمر، لأنني قمت بخدمة أستاذي ورسائل النور، تلك الخدمة التي أفتخر بها في الحقيقة.

وأنا أقول ردًّا على هذا:

إنني على علاقة وثيقة بأستاذي “بديع الزمان” الذي استفدت فائدة كبيرة من قراءة كتبه الدينية والإيمانية والأخلاقية، إلى درجةِ أنني مستعد بتضحية نفسي وحياتي رخيصةً في هذه السبيل.

ولكن هذه العلاقة لم تكن -كما زعم المدعي العام- علاقة ضارة بالوطن وبالأمة، ولا كانت في سبيل تحريض الشعب ضد الدولة، بل هي علاقةٌ وُثقى لا تنفصم أبدًا، لأنها من أجل إنقاذ أنفسنا من الإعدام الأبدي للقبر الذي لا يمكن لأحد أن يجد منه مهربًا، وإنقاذِ إيمان أمثالي من إخواني في الدين في هذا الزمن الخطر، وتزكيةِ أخلاقهم وجَعْلِهم أعضاءً نافعين لهذا الوطن ولهذه الأمة.

إنني من القريبين إليه؛ فقد خدمته على فترات متقطعة أربع سنوات، وأنا فخور بذلك؛ وطوال هذه المدة لم أشاهد منه إلّا الفضيلة الخالصة، ولم أسمع منه كلمة واحدة حول كونه مهديًّا أو مجددًا.. إن مئات الآلاف من رسائل النور ومئات الآلاف من طلبة النور الذين أنقذوا إيمانهم بقراءتها يشهدون على كمال تواضعه.

فأستاذي المبارك هذا يرى نفسه طالبًا من طلبة النور، ويقدّم نفسه على هذا الأساس.. من اليسير ملاحظةُ ومشاهدةُ ذلك بسهولة من قراءة الرسائل الموجودة بين أيديكم، ولا سيما رسالة “الإخلاص” الموجودة ضمن مجموعة “عصا موسى”، إذ يقول فيها:

“إن الحقائق الباقية هي كالشمس وكالألماس، لا تُبنى على الأشخاص، ولا يمكن لأشخاص فانين أن يتملّكوها”؛ وهو يكرر هذا في كثير من رسائله وخطاباته، وليس من شأن العقل السليم أن يحكم أنه يدّعى الفخر والتباهي بنفسه أو أنه مهدي ومجدد.

وإذا ما قرأتم الرسائل والمكاتيب بدقة وبإنصاف علمتم وتأكدتم أنه علّامة زمانه، هذا الذي قلما يجود الدهر بمثله في العلم بالدين، ولم يقابَل بنظيره كمنقذ للإيمان منذ عصور، فهو ذو عطاء وبركة للوطن والأمة تفوق ما يقدمه جيش كامل من المنافع، وبخاصة في عصر انتقلت إلينا الشرارات الحمراء للبلشفية تريد الْتِهامَ بلادنا.. فيا أسفًا إنني لم أحظَ بالتتلمذ على يديه وعلى هذه المؤلفات القيمة منذ نعومة أظفاري.

هيئةَ المحكمة الموقرة..‌

لقد شاهدت في نفسي منافع جليلة لا تعد ولا تحصى من قراءة رسائل النور، لذا قمت بطبع رسالة “مرشد الشباب” في مدينة “أسكي شهر” وبإذن رسمي، وذلك لكي يستفيد أمثالي من أبناء هذا الوطن، أي قمت بخدمة وطنية سامية؛ وأنا أرغب أن أسألكم:

لقد قمت -وأنا الشخص الفقير لرحمة اللّٰه تعالى- بطبع رسائل النور التي تُعدّ تفسيرًا حقيقيًّا للقرآن الكريم، وبعيدةً عن أي تجريح أو طعن من الآخرين، أي قمت بخدمة إيمانية، فهل من الحق وهل من العدل أن أقابَل بمثل هذه المعاملة الخشنة في الوقت الذي كان من المفروض ومن الضروري أن أقابَل بالتقدير؟

إنني أطلب من محكمتكم العادلة أن تُصدِر حكمها بإعطاء الحرية لنشر رسائل النور التي هي غذاء أرواحنا وسببُ نجاتنا ومفتاحُ سعادتنا الأبدية، وإذا كان قسمٌ مما ذكرته وعددته أعلاه يعدّ في نظركم ذنبًا أو جُرمًا، فإنني أود أن أبين لكم بأنني سأتقبل بصدرٍ رحبٍ أية عقوبة تصدرونها مهما كانت شديدة.

جَيلان جالشقان

من أميرداغ

الموقوف في سجن أفيون

❀   ❀   ❀

[دفاع مصطفى عثمان]

دفاع “مصطفى عثمان”

إلى محكمة “أفيون” للجنايات الكبرى..

ردًّا على التهمة الموجهة إليّ حول اشتراكي بفعاليات “بديع الزمان سعيد النورسي” المزعومة في تشكيل جمعية سرية، واستغلالِ المشاعر الدينية للإخلال بأمن الدولة وقيامِه ضد النظام القائم، أقول ما يلي:

أولًا: أجل، لقد قمت -مثل طلاب النور- بالحصول على رسائل النور وقراءتها لكي أتعلمَ الأخلاق القرآنية التي هي شعار التربية المدنية والدينية اللائقة بالشرف التاريخي لأُمتنا التركية المسلمة، وأحفظَ ديني وإيماني من تأثير الأيديولوجيات الأجنبية، وأكون عضوًا نافعًا لوطني وأمتي.

لقد حلَّ الفساد والرذيلة محل الأخلاق التي عُرف به أجدادنا الذين سَجلوا مآثرهم في التاريخ، وبدأ هذا الفساد يستشري وينتشر ويُفسد الحياة الاجتماعية إلى درجةِ أن أصحاب الخُلق السيء أنفسَهم أصبحوا يتقززون من مثل هذا السقوط الأخلاقي المنتشر، الذي أقلق الرأي العام، وأصبح حديث المجالس في كل بيت، وحديثَ الصحف والمجلات التي تُعَدُّ لسانَ الرأي العام والمعبِّرَ عنه، ثم إن هذه الأحوال المؤلمة في انتشار سريع وقد أخذت طابع البلاء العام.. في مثل هذه المرحلة استطاعت رسائل النور أن تنقذني من السقوط الأخلاقي مثلما أنقذت جميعَ قرائها المسلمين.

لقد أعطيتُ هذه الرسائل لمن طلبها مني بإصرارٍ -بعد أن عرف أنني قرأتها- وذلك لكي يستفيدوا من تهذيبها للأخلاق، وبعملي هذا ساعدت على إنقاذ كثير من الأفراد الذين كانوا على وشك الانحدار الأخلاقي، وعلى وشك أن يكونوا أعضاء مضرين بالوطن والأمة، فاستطاعت رسائل النور بتعليماتها وبتلقيناتها أن تنقذَ هؤلاء وأن تجعلَ أفرادًا مفيدين للبشرية، وتحصنَهم أمام الوباء الشيوعي الأحمر الذي بدأ ينتشر في بلدنا والذي بدأ العالم يرتجف منه رُعبًا.

إذن فإن “بديع الزمان” يُعدّ مجاهدًا معنويًّا يستحق التقدير والتبجيل، أما السلاح النوراني والفعال لهذا الجهاد فهو رسائل النور التي استطاعت في ظرف عشرين سنة أن تُحوِّل عشرين ألفًا من الأفراد -وربما أكثر- إلى أفراد مفيدين للوطن وللأمة، فكيف يكون حثّي على قراءة الرسائل ذنبًا، وكيف يكون تأليف رسائل النور تهمة في حق مؤلفها؟! أسأل هذا من ضمائركم.

ثانيًا: أما ما ادَّعاه المدعي العام حول كون ذلك الحديث “موضوعًا” فهو حُكمٌ غير عِلميّ، لأن ذلك الحديث “صحيح” ووارد في كتب الأحاديث وعلماء الحديث يقبلونه.

ففي عهد المشروطية -أي قبل عهد الحرية- تقدّم اليابانيون والكنيسة الإنجليزية الإنكليكانية بأسئلة إلى علماء ذلك العهد، فقدِم علماء إسطنبول بهذه الأسئلة إلى “بديع الزمان” الذي أدرج تأويل هذا الحديث ضمن الرسالة التي أصبح اسمها الآن “الشعاع الخامس”، وإن قبول هؤلاء العلماء الأعلام بهذه الأجوبة وعدم اعتراضهم عليها يدل على صحة الحديث.

وليس هذا الجزء فقط من رسائل النور، بل إن جميع الحقائق الواردة فيها وجميع دروسها قوية جدًّا، بحيث لا يستطيع عالِمٌ إسلاميٌّ حقيقيٌّ الاعتراضَ عليها، لذا نرى أن جميع العلماء الحقيقيين في هذا البلد -ومنذ عهد المشروطية- وعلى رأسهم رئاسة الشؤون الدينية اضطروا إلى تقدير هذه الرسائل وتوقيرها، لذا لا يمكن أن تُطمسَ حقائقها وبراهينها القوية من قِبَل فرد أو فردين ممن لا نصيب لهم من العلم الحقيقي، ولا يملكون من العلم إلا اسمه، بل سيكون هذا أمرًا مضحكًا.

إن رسائل النور تُقرأ بكل تقدير في جميع أرجاء الوطن ومن قِبَل كافة طبقات الشعب لإنقاذ حياتهم الأبدية وإيمانهم، ولأن منافعها المادية والمعنوية ظاهرة وجليلة، لذلك فإن آلافًا من المواطنين الذين استفادوا وأعجبوا بحقائق القرآن وحقائق الإيمان يحملون عاطفة العرفان بالجميل والامتنان العميق لمؤلف هذه الرسائل.. فهل قيامُ بعض هؤلاء بكتابة رسائل إلى المؤلف -انطلاقًا من العرفان بجميله- وفهمُ الحديث الشريف الذي هو موضوع الاتهام استنادًا إلى الحقائق التي لا يمكن أن تُرد، والنظرُ إليه وكأنه قد تحقق في هذا الوطن بناءً على بعض الأفعال والآثار، وبيانُ تمنياتهم بأن لا يقع وطننا في أحضان الفوضى وفي أحضان هذا الخطر الأحمر: تُعدّ خيانة للنظام القائم؟! وهل هي نقد للانقلاب؟!

ومع أن هذا العالِم المُبجَّل دخل عدة محاكم بسبب هذه الافتراءات، وصدرتْ قراراتُها بتبرئته، إلا أنه لا يزال متهمًا بنفس التُّهم السابقة، ويُسجن في سجن انفرادي ويقدّم للمحاكمة، مع أنه شخص منـزوٍ ومتقدم في العمر وشخص وحيد، أما نحن فقد عُدّت مساعينا العلمية ومحاولاتنا لإنقاذ إيماننا دليلًا على أننا نحاول الإخلال بأمن الدولة، ونحن نتساءل من محكمتكم: أيُّ وجدانٍ وضميرٍ عادلٍ يستطيع إصدار مثل هذا القرار؟! نَدَعُ ذلك لضمائركم.

ثالثًا: ولنأتِ إلى سبب التهمة الأخرى القائلة بأننا “نحمل صور بديع الزمان وكأنها صور مقدسة ونجمع خطاباته، ونرسل له الرسائل” نقول ردًا على هذا:

إن من حقي -كأي فرد آخر- أن أبعث له الرسائل وبطاقات التهنئة، وأن أصادق محبيه، وأن أحمل صورته.. ليس فقط صورته البسيطة، بل لو زينت صورته بإطار من الجواهر أو الذهب لكان شيئًا زهيدًا بجانب ما أسداه إليّ هذا العلامة الكبير من فضل، فقد أنقذ حياتي المعنويةَ والأبدية من الإعدام، وجعلني أتذوق السعادة في حياتي المادية، وأصبح بمؤلفاته وسيلة لإنقاذ إيمانِ آلاف الأفراد الآخرين مثلي.. هذا من حقي، ولا أظن أنه يُشكل ذنبًا.

وفي الختام أقول:

إن رجال الأمن في ولايتين وفي أقضيةٍ عدة يشهدون بأن طلبة النور -الذين أنقذوا أنفسهم من الأخلاق السفيهة بقراءة رسائل النور، وأنقذوا غيرهم كذلك- قد خدموا طوال سنين عديدةٍ هذا الوطن وهذه الأمةَ خدمةً جليلةً لا يستطيع إيفاءها الآلاف من رجال الأمن، لذا فإنهم بدلًا من أن يروا التقدير والمديح، فقد أُسيءَ فهمهم، وعوملوا وكأنهم عملاء للأجانب، فقد اعتُقِلنا وقُدِّمنا للمحاكم، وتعطلت مصالحنا وأشغالنا، وتُركت عوائلنا وأطفالنا في وضعٍ بائس، فأية ديمقراطية تَرضى لعوائلنا هذا الوضع المفجع ولأطفالنا البكاء؟! وضميرُ أيّ حاكم عادل يرضى بهذا؟! أسأل هذا من محكمتكم ومن ضمائركم.

لذا فإنني أسأل باسم محكمتكم المحترمة وباسم الأمة التركية المجيدة وباسم مجلسه العادل الذي تعملون في ظله: أن تصدروا قراركم بحرية نشر رسائل النور التي لا يمكن أبدًا إنكار فوائدها ومنافعها الجمة، وأن تصدروا قراركم أيضًا ببراءتنا.

مصطفى عثمان

من صَفْرانْبُولُو

الموقوف في سجن أفيون

❀   ❀   ❀

[دفاع حفظي بيرم]

دفاع “حفظي بيرام”

إلى محكمة” أفيون “للجنايات الكبرى‌..

إن التهم الموجهة إليّ هي قيامي بقراءة مؤلفات العالم الإسلامي “بديع الزمان” المتهم باستغلال المشاعر الدينية للإخلال بأمن الدولة، علمًا بأن هذه المؤلفات قيِّمة وذات نفع كبير للأمة وللبلد، وهي تعطي دروسًا مفيدة جدًّا عن الحقائق القرآنية والإيمانية.

وكذلك قيامي بإعطاء بعض هذه المؤلفات إلى عدد من أصدقائي -نزولًا عند طلبهم- بعد أن اكتشفتُ مدى استفادتي منها من الناحية الدينية والأخلاقية، وذلك اتباعًا لشعارنا (أي مَبدئنا) في السعي لنيل الثواب والأجر بنشر هذه التربية الدينية والأخلاقية، وكذلك قيام بعض معارفي بإرسال رسائِل صداقةٍ أو رسائلَ علمية إلى عنواني.

هذه هي المعاذير التي تم الاستناد إليها لجعلي في الذنب مع المومَئ إليه.

إنني أعترض على إيراد هذه المسائل كسبب للاتهام:

أولًا: إنني لا أعتقد أن قيامي بقراءة رسائل النور بقصد التعلم وللحفاظ على ديني وإيماني، ولا قيامي بإعطاء هذه الرسائل إلى بعضهم بقصد التعلم ذنبًا أو جريمة؛ ذلك لأن هذه الرسائل مرَّت من محاكم عديدة وبُرِّئت من قِبَلها وأعيدت إلى مؤلِّفها، وهي رسائل حازت على تقدير علماء البلدان الإسلامية وعلماء بلادنا، وهي لا تحتوي على أفكار فاسدة كما زعم المدعي العام، فكل رسالة من هذه الرسائل تفسير مهم للقرآن الكريم من بدايتها وحتى نهايتها، وهي تدعو الناس إلى السمو الخلقي وإلى الفضيلة، وتعطي دروسًا إسلامية وتربية دينية بشكل مؤثر، فتكون سببًا لحفظ الأمم من السقوط في الهاوية.

لذا فهي ليست كتبًا مفيدة لهذه الأمة ولهذا البلد وحده، بل هي أيضًا مفيدة للإنسانية جميعها من الناحية المعنوية، ذلك لأنه ما من أحد سجل حادثة ضارة للوطن أو للأمة أو ضد إدارة الدولة اشترك فيها طالب من طلاب النور في أي مكان أبدًا، ولم يسجِّل رجال الأمن والشرطة أيةَ حادثة من هذا القبيل ضدهم.

ثم لا توجد هناك جمعية سرية لكي تكون قراءة رسائل النور قراءة سرية، ذلك لأن طلاب النور لا علاقة لهم بأية جمعية، علمية كانت أم سياسية، ظاهرة كانت أم سرية، حتى إن “بديع الزمان” ومعه العديد من طلاب النور قُدِّموا إلى محكمة الجنايات الكبرى في “دنيزلي” قبل عدة سنوات وبنفس هذه التهم، وقامت المحكمة ببحث دقيق وتحقيق عميق، ثم اضطرت إلى إصدار قرارها بتبرئة الجميع وتبرئة رسائل النور كذلك.

ولا أدري كيف تُعد قراءةُ مؤلفاتِ مؤلِّفٍ صدر القرار بتبرئته وتبرئة كتبه.. كيف يعد ذلك دليلًا على جُرم كبير مثل جُرم الإخلال بأمن الدولة والسعي ضد النظام القائم، وكيف تكون سببًا للاتهام؟! وما هي درجة العدالة في هذا الأمر؟! أُحيلُ هذا السؤالَ إلى ضمائركم.

ثانيًا: ثم هناك رسالة أخرى أُرسلت إليّ وأنا في السجن من قضاء “بايزيد” من شخص لا أعرفه، وأصبحت هذه الرسالةُ سببًا لاتهامي.. إنني لم أرَ هذه الرسالة، ولا أدري محتوياتها، فإن كانت إحدى رسائل النور فإني أقبل بها، اسألوا عنها لكي أجيبكم عن اتهامي هذا.

وقد ورد في كلمة المدعي العام شيء حول المهدوية، ولم أسمع هذا إلّا منه، أما أستاذي فهو بريء من هذه الادعاءات، فهذا الأمر لم يُرد لا في حديثه ولا في رسائله، وقد اعتاد في كل مناسبة التنبيه على طلابه بضرورة ابتعادهم عن تعظيمه أو إبداء احترام مفرط أو إعطاء رتبة عالية له؛ ونحن على يقين بأنه أفضل علماء عصره وأنه بريء من حُب الشهرة ومن حُب الجاه، فهو عالم أصيل.

السجين

حفظي بيرام

❀   ❀   ❀

[دفاع مصطفى آجت]

دفاع “مصطفى آجت”

إلى محكمة “أفيون” الكبرى للجنايات..

أُجيبُ عن الاتهام الموهوم الذي اتهم به الادعاءُ العام أستاذي “بديع الزمان”:

إن خدماتي لأستاذي ولرسائل النور ليست إلّا قطرة من بحر اللطف والإحسان الذي قوبلتُ به، فأنا لست نادمًا قطعًا بهذا الانتساب، فكما يُضحَّى بقطع زجاجية في سبيل كسب خزينة الألماس الثمينة جدًا، فإنني مستعد في كل وقت لأُضحي بحياتي في سبيل رسائل النور التي هي وسيلة لإنقاذ حياتي الأبدية، فلقد تحققت منافع أخروية ودنيوية لرسائل النور، لذا فإن التخلي عن تلك المنافع الجليلة، وإبداءَ الفتور تجاه رسائل النور وأستاذي المحترم، لئلا يصيب الحياة الدنيوية المضطربة القصيرة ضرر من سجن تافه ومضايقات لا تلبث أن تزول.. إنني أعدّ هذا التخلي إهانة عظيمة لأستاذي علّامة الزمان، ولغايته الوحيدة الجليلة التي هي خدمة الإيمان والقرآن؛ فأنا لا أريد قطعًا أن أخالف أوامره ولا أن أحيد عن إذنه.

هيئةَ الحكام المحترمين..‌

لِمَ تستهولون كوني طالبًا -مع فقري- لعالِم عظيم يجاهد البلشفية التي تحاول بث سمومها في وطننا العزيز؟! إن هذا بلا شك يُثبت أن الثروة التي يمتلكها النور تفوق كثيرًا ثروة الدنيا بأسرها، فأطلِقوا يد أستاذي ورسائل النور كي ينقذ ملايين الشباب من الأمة التركية، ليصبحوا أبناء نافعين للبلاد.

نعم، إن حاجتنا نحن شبابَ الأمة التركية إلى رسائل النور أكثر بكثير من حاجة المختنق إلى الهواء العليل، ومن حاجةِ من يعيش في الظلام الدامس إلى النور الواضح، ومن حاجة الجائع العطشان التائه في الصحراء إلى الماء السلسبيل والغذاء النافع، بل من حاجة الغريق إلى النجاة.

إنه لا يتلاءم مع شرف العدالة إهدارُ وإفناءُ حياةِ “بديع الزمان” الذي كَسَب حُسنَ ظننا المفرط وتوجهَنا نحوه وارتباطنا الوثيق به، وإفناءُ ضعفاءَ أصبحوا طلابًا له بنية خالصة.

الموقوف في السجن

مصطفى آجت من أميرداغ

❀   ❀   ❀

[دفاع خليل جاليشقان]

دفاع “خليل جاليشقان”

إلى محكمة “أفيون” للجنايات الكبرى..

هيئةَ المحكمة الموقرة..

في لائحة الاتهام التي قدمها المدعي العام عدّ خدمتي لأستاذي كذنب كبير اقترفته.

إن أستاذي الذي قَدِم إلى بلدتنا ضيفًا سنة ١٩٤٤م وهو مقيم فيها منذ أربع سنوات.. إن أستاذي هذا قد ترك ومنذ أربعين سنة كل لذائد الحياة ومتاعها وراحتها ونذر نفسه لخدمة الإيمان والإسلام، ولا سيما لإنقاذ السعادة الأبدية للمسلمين في وطننا، ولوضع سد أمام الأفكار الضارة لدين هذه الأمة التركية المسلمة كالأفكار البلشفية التي لها أضرار مادية ومعنوية بليغة والأفكارِ الضارة الأخرى للوطن وللأُمة، وذلك بوساطة الدروس الإيمانية والأخلاقية لرسائل النور التي اعترف بفضلها جميعُ العلماء. فهل قيامي -وأنا فخور بذلك- بخدمة أستاذي بين حين وآخر طوال ثلاث سنوات يعد ذنبًا؟!

ثم إنهم يرون أن تركي لمهنتي كخياط في سبيل هذه الخدمة ذنبٌ كذلك. ولئن ضحيتُ بحياتي في سبيل أستاذي وفي سبيل رسائل النور -التي أرشدتنا إلى الحق وإلى الحقيقة، والتي هي تفسير حقيقي للقرآن الكريم- فهل أُعدّ مذنبًا وخائنًا للوطن؟! أسأل هذا منكم.

رئيسَ المحكمة الموقر..‌

لقد قرأتُ بعض رسائل النور واستنسخت بعضها، وبدأت بحمد اللّٰه تعالى حمدًا كبيرًا بالاستفادة من هذه الرسائل، إذ كان قلبي منذ البداية متعلقًا تعلقًا كبيرًا بالعلم ومشتاقًا له، ومع أنني مرتبط بهذه الرسائل عن قرب، إلا أنني لم أجد فيها لا تحريضًا للشعب ضد الحكومة، ولا دعوة لتأسيس جمعية سرية تقوم بإخلال الأمن، ولم أسمع من أستاذي أيّ شيء حول دعوى المهدوية أو دعوى التجديد ولا أي تحريض ضد الأمن.

إن الهدف الوحيد والخدمة الوحيدة لرسائل النور ولأستاذنا ولنا نحن طلبة النور هي إيفاء خدمة مقدسة للإسلام، ولا سيما إيفاء خدمة مقدسة للأُمة التركية المسلمة من ناحية الإيمان والأخلاق؛ لذا فمن الضروري ومن الواجب عدمُ التعرض لرسائل النور ولطلابها من جراء خدماتهم هذه.

هذا هو هدفنا، وهذه هي غايتنا وليس شيئًا آخر، وإن إيفاءنا هذه الوظائفَ هو في سبيل الحصول على رِضَى اللّٰه تعالى؛ ومن الطبيعي أننا لا يمكن أن نؤدي هذه المهمة المقدسة في سبيل الدنيا وفي سبيل متاعها ومنافعها، ولا نتنـزل أصلًا لهذا. إن طلبة النور الطاهرين لا يشغل قلوبَهم أهدافٌ وغايات دنيوية، لأن قلوبهم مشغولة بالإيمان وبأمور الآخرة، لذا فإنه لم يخطر ببالنا أبدًا ما اتهمَنَا به المدعي العام من القيام بتشكيل جمعية سرية، ولا نتحمل مثل هذا الاتهام.

هيئةَ المحكمة الموقرة..‌

إننا نعتقد بأنكم اقتنعتم بماهية أهدافنا وغايتنا نحن طلاب النور، واقتنعتم بعدم وجود أية علاقة لنا بالتهم التي أوردها المدعي العام، لذا فإننا نطلب من محكمتكم الموقرة ومن ضمائركم أن تعيدوا لنا كُتبنا، وتسمحوا بكونها حرة، وتصدروا قراركم ببراءتنا.

خليل جالشقان

من أميرداغ

الموقوف في سجن أفيون

❀   ❀   ❀

[دفاع مصطفى كول]

دفاع “مصطفى كول”

إلى محكمة “أفيون” للجنايات الكبرى..

إنني لست عضوًا في جمعية سرية، كما أن أستاذي “بديع الزمان” لم يشكل مثل هذه الجمعية، إذ قام على الدوام بإعطائنا دروسًا حول الحقائق القرآنية، وحظَّر علينا وبشدة أن تكون لنا أية علاقة بالسياسة.

إنني فقط طالب للأستاذ الكبير “سعيد النورسي”، وأنا متعلق به وبرسائل النور من أعماق قلبي وروحي، وأنا مستعد لأية عقوبة في سبيل رسائل النور وفي سبيل أستاذي.

لقد أنقذ أستاذي برسائل النور إيماني وحياتي الأخروية، فغايته تنحصر في إنقاذ جميع المسلمين وجميع مواطنينا من الإلحاد لكي ينالوا السعادة الأبدية.

لقد ظهر بوضوح في جميع المحاكم بأنه لا توجد لنا أية علاقة بأي هدف سياسي، ومع أن هذه هي الحقيقة فلا نزال نُقَدَّم للمحاكم من دون سبب ومن دون وجه حق، ونحن نفهم من هذا أنهم يريدون تحطيم وحدتنا وتساندنا، مع أن تساندنا وتعاوننا لا يهدف أية غاية دنيوية أو سياسية، وكل ما في الأمر أننا نوقر أستاذنا توقيرًا كبيرًا، لأن كل من يقرأ رسائل النور يكتسب إيمانًا قويًّا وإسلامًا قويًّا وخلقًا وكمالًا عاليين.

ونحن لا نملك إلّا أن نُكنّ لأستاذنا حُبًّا شديدًا، وأنا مرتبط بمثل هذا الأستاذ وبمثل طلاب رسائل النور هؤلاء بكل جوارحي، ولا يمكن لهذا الارتباط أن ينفصم أو ينقطع وإن شُنقت.

إننا مع جميع أخواني أبرياء، ونحن نطالب وبكل قوتنا بحرية رسائل النور، وأنا أطالب بتبرئة أستاذنا الكبير وتبرئة إخواني الأبرياء من طلبة النور وتبرئتي كذلك.

مصطفى كول

من إسبارطة

❀   ❀   ❀

[دفاع إبراهيم فاقازلي]

دفاع “إبراهيم فاقازلي”

إلى محكمة “أفيون” للجنايات الكبرى..

أيها الحكام المحترمون..‌

إن التهمة الموجهة إلينا باطلة أولًا، وتتعلق بالدنيا، فهي سياسية.

ولا شك أنكم -أيها الحكام المحترمون- قد عرفتم مِن نظرتكم الأولى لنا بأننا لسنا من الذين يعملون في ميدان السياسة، ولو قام المئات من ذوي الصلاحية بتوكيد هذه التهمة السمجة والغريبة عنا، ولو كان عقلي أكبر بمئات المرات من عقلي الحالي، لكان التأثير المعنوي الذي تركتْه لديّ رسائلُ النور ومؤلِّفُه الموقر كافيًا لي لكي أهجر لذة السياسة المؤقتة والفانية، وأهرب بكل كياني ووجودي إلى الطريق المؤدي إلى الآخرة، وإلى الطريق المؤدي إلى النجاة من جهنم.

إن علاقتنا.. سواء أكانت مع مؤلف رسائل النور المبجل واحترامَنا له أو قراءتنا لرسائل النور واستنساخها أو علاقتنا وارتباطنا مع طلاب النور.. هذه العلاقات كلها علاقات أخروية، وقد أقرت محكمة “دنيزلي” للجنايات الكبرى ومحكمة التمييز العليا هذا الأمرَ وصادقتْ عليه، وإن الأفكار التي استلهمناها من رسائل النور تدعونا بأن لا نفرط في هذه العلاقة النورانية، وأن لا نستبدلها بأي عرض دنيوي ومادي، وسيبقى إيماننا هذا معنا حتى آخر لحظة من أعمارنا.

هيئةَ المحكمة الموقرة..‌

ما دمنا قد جُمعنا ها هنا بسبب هذه التهمة المذهلة، فإنني أرى أن ضميري وحُبي لبلدي يُحتِّمان عليَّ أن أُبين لكم هذه الحقيقة المهمة:

لقد شاهدت في أوساطنا وفي البيئة التي أعيش فيها مدى الإصلاحات الكبيرة التي أنجزتْها رسائلُ النور، وشاهد الناسُ هذا كذلك، ففي أثناء ما يزيد عن عشر سنوات عرف العديد من الأفراد -وأنا منهم- الطريقَ إلى بيوتهم والاهتمامَ بعوائلهم، وتركوا الأمور الشائنة وعرفوا طَعم السعادة العائلية، وآباءُ هؤلاء وأمهاتهم يرفعون الآن أيديهم بالدعاء لمَنْ كان السبب لمثل هذا التحول، وتستطيعون أن تسمعوا المزيد حول هذا الأمر من أهالي ولايتنا وما يجاورها.

وعندما دخلتْ رسائلُ النور إلى سجن “دنيزلي” كان تأثيرها في المسجونين إيجابيًّا جدًّا، ولا يزال هذا التأثير الإيجابي أحاديثَ الناس، وكذلك عندما دخلتْ إلى سجن “أفيون” رأيت كل سجين أتحدث معه يدعو لطلاب النور بالخير، ويذكر لي الفرق الكبير بين أحوالهم السابقة وأحوالهم الحالية.. هذه حقائق ملموسة وموجودة أمام جميع الأنظار.

والحقيقة أنني أستغرب جدًّا كيف يمكن أن يقال: إنني أشتغل في ساحة السياسة لمجرد أنني قمت بإرسال خطابات مَحَبّةٍ إلى مؤلف رسائل النور المحترم؟!

هذه الرسائل التي كانت مفيدة لي ولجميع أبناء جنسي من الناحية الأخلاقية والاجتماعية، ومن ناحية الحياة الأخروية، لكونها تفسيرًا حقيقيًّا للقرآن الكريم.

أو لأنني قمت بإرسال رسائلِ محبةٍ إسلامية ورسائلِ سلوان إلى بعض مواطِنِيَّ؟!

وأنا أقول وسط هذه الدهشة والاستغراب بأنه لا يمكن أن يكون هذا العمل موضع تهمة أو ذنب، والاحتمالُ الوارد هنا هو أن أعداء القرآن الكريم -وبالتالي رسائل النور- المتخفين هم الذين نفثوا الأوهام والظنون والخوف منا، في نفوس موظفي جهاز العدل وجهاز الأمن، لكي يُلقوا بنا في غياهب السجون، ولكن سيَعرف الحكام المحترمون هذه الحقائق دون شك، وسيضعون أيديهم على ضمائرهم لكي يُصدِروا قراراتهم العادلة التي لها ثواب كبير عند اللّٰه تعالى.

وسيجعلون الأمة التركية المسلمة التي تنتظر هذه القرارات بكل اهتمام في جميع أرجاء هذا الوطن.. ممتنة وشاكرة لهم.

إبراهيم فاقازلي

الموقوف في سجن أفيون

❀   ❀   ❀

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى